الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

صلة رحم من لا يصلك

تاريخ النشر : 04-04-2002

المشاهدات : 64900

السؤال

لقد بدأت مؤخرا في بذل جهود واعية لكي أصبح مسلماً جيداً .
فقد بدأت أقرأ وأكتسب معرفة عن الإسلام ..صلة الرحم تعتبر ممارسة جيدة في الإسلام..لأكسب رضا الله "سبحانه و تعالى" أبذل جهودا واعية لأقابل هؤلاء الذين كنت أتجنبهم من قبل ..ولكن على ما يبدو أنه كلما اختلطنا أكثر أنا وعائلتي مع أقاربنا كلما اغتابونا ونشروا افتراءات لا أساس لها من الصحة.. وهذا شيء مؤلم للغاية ويتطلب الكثير من الصبر وعدم المبالاة بناس لهم مثل هذه العادات..ما هي الطريقة الصحيحة للتعامل مع هؤلاء الأقارب ؟ من قبل كنت أواجههم "أو أتصدى لهم" بالغضب.. ولكني الآن أعلم أنني لن أكسب شيئا غير المشاعر السيئة والغضب..هل أترك هؤلاء الناس لله ليتصرف معهم ؟ أرجو النصيحة بالنسبة لهذا الموضوع..كذلك ما هي الأدعية التي أستطيع قراءتها لأزيد من صبري ؟.

الجواب

الحمد لله.

أيها الأخ الكريم إن التحلي بالصبر منزلة رفيعة ومكانة عالية يمتن الله بها على من يشاء من عباده ليسهل عليه القيام بأوامره واجتناب نوهيه، وما بذلته  أنت من المحاولات وسعيت فيه من الإصلاح والقرب من قرابتك جهد مشكور يدل على نجاحك وسلامة تفكيرك؛ إذ أن كثيراً من الناس إذا مر ببعض ما عانيته سرعان ما ينفد صبره ويقابل القطيعة بمثلها لأنه في ظنه أن صلة الرحم لا تجب إلا إذا قابله أقرباؤه بالمثل وهذا مفهوم خاطيء والدليل على خطئه ما ثبت في الحديث (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِك) رواه  مسلم برقم (2285) ومعنى قوله ( المل ) أي الرماد الحار .

ففي هذا الحديث وجه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل الذي جاءه يشتكي من سوء معاملة أقربائه له ويذكر في شكواه نحواً مما ذكرت فهو يصل وهم يقطعون ، وهو يحسن وهم يسيؤون ومع ذلك أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم إن كان صادقاً في ما قال أن حاله معهم كحال من يُسِفُّ الآخر الرماد أي يطعمه إياه فهو صاحب المعروف والفضل ، ثم لا يزال له من الله عليهم سلطان  وحجة ، ومعنى الحديث إجمالاً الحث على صلة الرحم  حتى مع من لا يصل الرحم , والحمد لله أن هذا هو ما قمت به وحملت نفسك عليه أسأل الله أن يوفقك لما فيه الخير . 

وبعد هذا ما عليك إلا أن تتبع الحسنة مثلها فتواصل المعروف بالمعروف ، والصلة بالصلة والإحسان بالإحسان ، وإن أساؤوا إليك وعاملوك بعكس ما عاملتهم .

واعلم أنك حين تفعل ذلك إنما تطلب رضوان الله ورحمته ، فلا تنتظر أن يكون لعملك مقابل أو مكافأة منهم ،  لكن احرص ألا تخبر الناس بما يعاملوك به ، وإن رأيت أن من أسباب حدوث المشكلة كثرة الاحتكاك بهم فلا بأس أن تقلل من زيارتهم .

وادع الله أن يهديهم ، نعم ادعه وأنت موقن بالإجابة ، فإن الله قادر أن يقلب بغضهم حبًأ وهجرهم صلةً وقربة .

وأما ما سألت عنه من الأدعية المعينة على الصبر عند وجود الشدائد فما أكثرها وإليك بعضاً منها أولاً :

عن ابن عباس رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم : يقول عند الكرب لا إله إلا الله العظيم  الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات ورب العرش الكريم ) رواه البخاري(7426) .

وفي رواية مسلم ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال ذلك ) ومعنى ( حزبه أمر ) أي نزل به أمر مهم ، أو أصابه غم . مسلم (2130)

ثانياً :

وعن أنس رضي الله عنه قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر قال : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ) رواه الترمذي(3524) وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 4777) .

ونرشدك إلى أمر مهم جداً سوف يزيد من صبرك ويقينك بالله سيما إذا ضاق عليك صدرك واستحكمت الهموم على عقلك ، أمر غفل عنه أكثر الناس ، أتدري ما هو  ؟

إنه الصلاة ، فإن للصلاة تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وذهاب الهم والغم ، وهي من أعظم  عوامل الصبر وقد دل على ذلك الكتاب السنة قال الله تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) البقرة/45 هي من أعظم ما يستعان به .

وقال تعالى : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون( 97 ) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) الحجر/98

قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره : ( فسبح بحمد ربك ) يقول : فافزع فيما نابك من أمر تكرهه منهم إلى الشكر لله والثناء عليه والصلاة ، يكفك الله من ذلك ما أهمك .

وهذا نحو الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ) . انتهى 7/553

وأخيراً اسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يلهمنا وإياك الصبر واليقين إنه ولي ذلك والقادر عليه .

والله اعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد