الخميس 27 جمادى الأولى 1446 - 28 نوفمبر 2024
العربية

هل يأثم الابن إذا رفض سفر والدته لزيارته حرصا على زوجها وأسرتها ؟

السؤال

يسكن أخي البالغ من العمر 45 سنة بالديار الأوروبية ، متزوج وله طفلتان من أجنبية ، المشكلة هو أنه يرفض إنجاز أوراق الإقامة لأمي ، لأنها حين كانت تذهب عنده لأجل قضاء شهر تمكث 9 أشهر ، وتترك الأولاد والزوج في البلد ، وحين طلب منها الرجوع إلى بيتها وزوجها انهالت عليه بالشتائم أمام زوجته وأطفاله ، وحين رجعت رفض أن ينجز لها التأشيرة تفادياً للوقوع معها في المشاكل ، خاصة وهي عصبية المزاج ، وتثور لأتفه الأسباب ، مما يؤدي به إلى تعاطي المخدرات ، يسأل هل إذا رفض مجيئها يعتبر آثما ؟ .

الجواب

الحمد لله.


البر الواجب الذي أمر الله به في كتابه وحث عليه رسوله صلى الله عليه وسلم يقتضي السعي في خدمة الوالدين وإسعادهما وإرضائهما ، وذلك بكل وسيلة متاحة مباحة ، وفي كل فرصة ممكنة .
ومن أفضل ما يبر المرء به والديه الحرص على نجاح حياتهما الزوجية ، وتواصل الود والمحبة والعشرة الحسنة بينهما ، فإن الأبناء الحكماء البررة يملكون من تقريب الود بين الوالدين ما لا يملكه غيرهم ، وكثيراً ما يكونون سبباً لتجاوز كل ما قد ينغص حياة الأسرة .
ولا أرى حرص أخيكِ على بقاء والدته بين أبنائها وزوجها إلا دليلا على حكمته ، خاصة إذا كانت الأسرة تتضرر بغياب الوالدة كثيراً – كما هو الحال غالباً - .
ولكن ينبغي عليه أن يحسن التصرف ويختار الأسلوب الأمثل في تجاوز هذا التعارض : تعارض رغبته في محافظة والدته على أسرتها وبيتها ، مع رغبة والدته في زيارته في غربته والبقاء معه .
ولن يعدم – إن شاء الله – فكرة متميزة تحل له هذه المشكلة ، فإذا كان بإمكانه تحديد تأشيرة زيارة الوالدة بالشهر : فهذا حسن ، ويعتذر لوالدته إذا أنهت شهر الزيارة بانتهاء التأشيرة ولزوم العودة ، والأَوْلى من ذلك إن كان يقدر على استقبال أسرته كلها ، فيستخرج لهم تأشيرات الزيارة جميعا ، كي يصحبوا والدتهم حيثما كانت .
فإن استطاع أن ينصح والدته بالحسنى ويصارحها بوجوب طاعة زوجها وخدمته – خاصة إذا كان الزوج غير موافق على خروجها كل تلك الفترة – فليجتهد في ذلك ، ولا يستحيي أو يمل ، ولا يضره إن كانت والدته ستتهمه بعقوقها أو كراهية زيارتها ، فإن الله سبحانه وتعالى مُطَّلِعٌ على ما في قلبه ، ويعلم نيته وحقيقة حاله .
يقول سبحانه وتعالى : ( رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً ) الإسراء/25 .
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
يقول تعالى ذكره ( ربُّكم ) أيها الناس ( أَعلمُ ) منكم ( بِمَا في نُفُوسِكم ) من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم وتكرمتهم والبر بهم ، وما فيها من اعتقاد الاستخفاف بحقوقهم والعقوق لهم وغير ذلك من ضمائر صدوركم ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، وهو مجازيكم على حسن ذلك وسيئه ، فاحذروا أن تضمروا لهم سوءا وتعقدوا لهم عقوقا .
وقوله ( إنْ تكونوا صالِحين ) يقول : إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم وأطعتم الله فيما أمركم به من البر بهم والقيام بحقوقهم عليكم ، بعد هفوة كانت منكم ، أو زلة في واجب لهم عليكم ، مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه : ( فإنَّه كان للأوابين ) بعد الزلة والتائبين بعد الهفوة ( غفُوراً ) لهم .
" تفسير الطبري " ( 17 / 421 ، 422 ) .

وفي هذه الآية دعوة صادقة لأخيكِ أن يمحص قلبه ونيته ، ليكون باعثه على اعتذاره عن تأشيرة زيارة الوالدة هو حرصه على صلاح بيتها وأسرتها ببقائها فيه ، وعدم معاونتها على الإثم الذي ترتكبه حين تعصي زوجها وتسافر بغير رضاه .
وأما إن كان باعثه الحقيقي كراهية والدته ورغبته عن استقبالها واستضافتها وخدمتها فهو آثم حينئذ ، مرتكب معصية وواقع في كبيرة العقوق ، فإن من أعظم حقوق الوالدين على أولادهم رعايتهم في كبرهم وتوفير الخدمة لهم .
وعلى الأخ ، إذا لم يتمكن من التحكم في زيارة الوالدة على النحو المناسب المعقول ، أن يعوض ذلك بأن ينزل هو للزيارة ، كلما تمكن من ذلك ، وألا يطيل الاغتراب عنها ، ثم يحاول أن يجتهد في صلتها والإحسان إليها بالهدايا ونحوه ، خاصة مما تتعلق نفسها به .
ثانياً :
أما ما ذكرتِ في شأن تعاطي أخيك المخدرات : فإن كنت تقصدين الحبوب المهدئة التي يتناولها من يصاب بنوبات الفزع والغضب والقلق : فإن الأصل في هذه الحبوب عدم جوازها لما فيها من المخدر المفتر الذي جاءت الشريعة بالنهي عنه ، ولكن إذا كان ذلك لحاجة يقدرها الطبيب المختص فيجوز له تناولها حينئذ تحت إشراف الطبيب فقط ، فإن الحاجة تنزل منزلة الضرورة .
سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - :
ما حكم تناول الحبوب المنومة أو ما يسمى بالمهدئات ، وهل تدخل ضمن المخدرات أم لا ، وهل تجوز إذا دعت الضرورة أو أرشد إليها الطبيب ؟ .
فأجاب :
هذه الحبوب لا يجوز استعمالها إلا إذا دعت الحاجة إليها ، بشرط أن يكون الآذن بها طبيباً فاهماً عالماً ؛ لأن هذه لها خطر ، ولها مردود فعل على المخ ، فإذا استعملها الإنسان فقد يهدأ تلك الساعة ويلين ، لكنه يعقبه شر أكبر وأعظم ، فالمهم أنه يجوز استعمالها للحاجة ، بشرط أن يكون ذلك تحت نظر الطبيب وإذنه .
" فتاوى نور على الدرب " ( شريط رقم : 82 / الوجه الأول ) .

وإذا كانت هذه الحبوب تفتَِّر الجسم فإنه يكون حكمها حكم المخدرات المحرَّمة .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم الأدوية المهدئة التي تستخدم في علاج بعض الأمراض العصبية وغيرها ، وتوضع تحت قسم المفترات ؟ .
فأجابوا :
لا يجوز التداوي بما حرم الله ، ومن المحرمات تناول المفترات .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 32 ) .

وأما إذا كنت تقصدين المخدرات الممنوعة – لا قدر الله - ، التي يتعاطاها المدمنون شهوة من عند أنفسهم ، فهذه معصية عظيمة يجب عليك مناصحة أخيك بشأنها والسعي في تخليصه منها بمراجعة الأطباء المختصين الذين يشرفون على علاج مثل هذه الحالات ، وقد سبق في موقعنا بيان حرمة هذه المواد لما فيها من ضرر كبير على الفرد والمجتمع .
انظري جواب الأسئلة رقم ( 6540 ) و ( 32466 ) و ( 66227 ) .

ونسأل الله لك ولأخيك الحفظ والهداية والتوفيق .

والله أعلم
 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب