السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

الحكمة من مشروعية الصيام

السؤال

ما الحكمة من مشروعية الصيام؟

ملخص الجواب

ذكر الله تعالى الحكمة من مشروعية الصيام وفرضِه علينا في قوله: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). فالصيام وسيلة لتحقيق التقوى، والتقوى هي فعل ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى عنه. فالصيام من أعظم الأسباب التي تعين العبد على القيام بأوامر الدين. وقد ذكر العلماء رحمهم الله بعض الحكم من مشروعية الصيام وكلها من خصال التقوى.

الجواب

الحمد لله.

لا بد أولاً أن نعلم أن الله تعالى من أسمائه الحسنى (الحكيم) والحكيم مشتق من الحُكْم ومن الحِكْمة. فالله تعالى له الحكم وحده، وأحكامه سبحانه في غاية الحكمة والكمال والإتقان.

لم يشرع الله تعالى حكماً من الأحكام إلا وله فيه حكم عظيمة، قد نعلمها، وقد لا تهتدي عقولنا إليها، وقد نعلم بعضها ويخفى علينا الكثير منها.

ذكر الله تعالى الحكمة من مشروعية الصيام وفرضِه علينا في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة / 183.

فالصيام وسيلة لتحقيق التقوى، والتقوى هي فعل ما أمر الله تعالى به، وترك ما نهى عنه. فالصيام من أعظم الأسباب التي تعين العبد على القيام بأوامر الدين.

وقد ذكر العلماء رحمهم الله بعض الحكم من مشروعية الصيام، وكلها من خصال التقوى، ولكن لا بأس من ذكرها، ليتنبه الصائم لها، ويحرص على تحقيقها.

فمن حكم الصوم:

  1. أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى شُكْرِ النِّعْم، فالصيام هُوَ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، وهذه مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعْلاهَا، وَالامْتِنَاعُ عَنْهَا زَمَانًا مُعْتَبَرًا يُعَرِّفُ قَدْرَهَا، إذْ النِّعَمُ مَجْهُولَةٌ، فَإِذَا فُقِدَتْ عُرِفَتْ، فَيَحْمِلُهُ ذَلِكَ عَلَى قَضَاءِ حَقِّهَا بِالشُّكْرِ.

  2. أَنَّ الصَّوْمَ وَسِيلَةٌ إلَى ترك المحرمات، لأَنَّهُ إذَا انْقَادَتْ النَفْسٌ لِلامْتِنَاعِ عَنْ الْحَلالِ طَمَعًا فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَوْفًا مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ، فَأَوْلَى أَنْ تَنْقَادَ لِلامْتِنَاعِ عَنْ الْحَرَامِ، فَكَانَ الصَّوْمُ سَبَبًا لاتِّقَاءِ مَحَارِمِ اللَّهِ تَعَالَى.

  3. أَنَّ فِي الصَّوْمِ التغلب على الشَّهْوَةِ، لأَنَّ النَّفْسَ إذَا شَبِعَتْ تَمَنَّتْ الشَّهَوَاتِ، وَإِذَا جَاعَتْ امْتَنَعَتْ عَمَّا تَهْوَى، وَلِذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ; فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ.

  4. أَنَّ الصَّوْمَ مُوجِبٌ لِلرَّحْمَةِ وَالْعَطْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا ذَاقَ أَلَمَ الْجُوعِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ، ذَكَرَ مَنْ هَذَا حَالُهُ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ، فَتُسَارِعُ إلَيْهِ الرِّقَّةُ عَلَيْهِ، وَالرَّحْمَةُ بِهِ، بِالإِحْسَانِ إلَيْهِ، فكان الصوم سبباً للعطف على المساكين.

  5. فِي الصَّوْمِ قَهْرٌ لِلشَّيْطَانِ، وإضعاف له، فتضعف وسوسته للإنسان، فتقل منه المعاصي، وذلك لأن الشَّيْطَان يَجْرِيَ مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فبالصيام تضيق مجاري الشيطان فيضعف، ويقل نفوذه.

قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/246):

ولا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب اتسعت مجاري الشياطين - الذي هو الدم - وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين، فتنبعث القلوب إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات اهـ بتصرف.

  1. أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه.

  2. وفي الصيام التزهيد في الدنيا وشهواتها، والترغيب فيما عند الله تعالى.

  3. تعويد المؤمن على الإكثار من الطاعات، وذلك لأن الصائم في الغالب تكثر طاعته فيعتاد ذلك.

فهذه بعض الحكم من مشروعية الصيام، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لتحقيقها ويعيننا على حسن عبادته.

والله أعلم.

المراجع:

  • تفسير السعدي (ص 116)

  • حاشية ابن قاسم على الروض المربع (3/344)

  • الموسوعة الفقهية (28/9).

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب