عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ..يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَ. رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151).
هذا الحديث دليل على أن الصائم مطالب بحفظ صومه، وذلك بالتحلي بمكارم الأخلاق والبعد عن سيئها، ليؤدي الصوم ثمرته المطلوبة، وتترتب عليه المغفرة الموعود بها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم، إني صائم .
وعنه - أيضاً – رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه رواه البخاري (6057).
فقد دل هذا الحديث وما قبله على أن الصائم يحرص على سلامة صومه مما ذُكر. وعلى أن هذه المذكورات يزداد قبحها في الصيام، ولهذا ذُكرت فيه، كما دل الحديث على أن الصيام الشرعي صيام الجوارح، وأما الصيام عن الطعام والشراب ففي مقدور كل أحد فأمره سهل.
وقول النبي ﷺ: الصيام جُنَّة أي ما يُجِنُّك أي يسترك ويقيك مما تخاف.
والمعنى: أن الصيام يستر صاحبه ويحفظه من الوقوع في المعاصي، التي هي سبب العذاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصيام جُنة من النار كجنة أحدكم من القتال.. وهذا دليل بيِّن على فضل الصيام.
وقوله فلا يرفث الرفث هو الكلام الفاحش، ويطلق على الإفضاء بالجماع والمباشرة لشهوة، قال تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم.. قال كثير من العلماء: إن المراد به في هذا الحديث الفحش ورديء الكلام والله أعلم.
قوله: ولا يصخب الصخب هو الصياح والخصومة ورفع الأصوات كما هو شأن الجهال. قوله: ولا يجهل الجهل هنا يراد به ما يُقابل الحِلْم، وأكثر ما يُستعمل ضد العلم.
وقوله: فليقل إني صائم أي إذا نازعه أحد أو خاصمه أو سابَّه فإنه لا يعامله بمثل عمله بل يقول: إني صائم لعل خصمه ينـزجر عن قتاله وسبابه إذا علم أنه لا ينتصر منه لِعِلَةِ صومه.
وهل يقول ذلك بلسانه؟ فيه أقوال:
قيل: بلسانه، وهذا ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. وقيل: يقولها في نفسه. وقيل: في الفرض يقولها بلسانه وفي النفل يقولها في نفسه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والصحيح أنه يقول بلسانه كما دلَّ عليه الحديث، فإن القول المطلق لا يكون إلا باللسان، وأما ما في النفس فمقيد كقوله: "عما حدثت به أنفسها" ثم قال: "ما لم تتكلم أو تعمل به".
فالكلام المطلق إنما هو الكلام المسموع وإذا قال بلسانه: إني صائم بيَّن عذره في إمساكه عن الرد، وكان أزجر لمن بدأه بالعدوان." انتهى من "منهاج السنة" (5/197).
إن الصوم المقبول حقاً هو صوم الجوارح عن الآثام، واللسان عن الكذب والفحش والبطن عن الطعام والشراب والفرج عن الرفث ومباشرة النساء.
والصيام مدرسة تربوية تُعلِّم الحِلم والصبر والصدق، وتحث على مكارم الأخلاق وفضائل الأقوال والأعمال، فالصائم لا يصخب ولا يغلو ولا يغضب، ولا ينطق كذباً ولا يقول زوراً، لا يُخلف وعداً ولا يؤخر عملاً، بل قوله ذِكر، وصمته فِكر، وإنَّ وقت الصائم لَأَنفس وأغلى من أن يُنفق في هذه المهلكات، التي تؤثر على ثواب الصيام أو تذهب حقيقته. والله أعلم
المرجع
أحكام الصيام للفوزان (ص51).
أحاديث أخرى:
(أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه)
(إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به...)
(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
(من قام ليلة القدر إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)
(اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)
(من فطر صائما كان له مثل أجره)
(لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)
(ثلاثة لا ترد دعوتهم – ومنهم – الصائم حين يفطر)
تعليق