إذا وُلد لكافرين زانيين ولدٌ فهل يُنسب للزاني ؟
قرأت إجابتكم الخاصة باتخاذ المرأة اسم زوجها وفهمت أن ذلك لا يجوز ، ولا أزال أود معرفة ما إذا كان يجوز ذلك لامرأة دخلت في الإسلام ، وتحمل في الأصل اسم أمها ؛ لأن والديها لم يكونا متزوجيْن عند ولادتها ولا يمكنها أن تحمل اسم والدها ؛ لأنه لم يعد على قيد الحياة .
الجواب
الحمد لله.
الزنا محرَّم في جميع الشرائع التي أنزلها الله تعالى على رسله ، والإسلام يقر نكاح
أهل الأديان الأخرى الذين لم يدخلوا في الإسلام بشرطين :
الأول : أن يكون هذا موافقاً لشريعتهم .
والثاني : أن لا يتحاكموا إلينا في العقد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وقد ذكر أصحاب مالك ، والشافعي ، وأصحاب أحمد ، كالقاضي أبي يعلى ، وابن عقيل ،
والمتأخرين : أنه يُرجع في نكاح الكفار إلى عادتهم ، فما اعتقدوه نكاحاً بينهم :
جاز إقرارهم عليه إذا أسلموا وتحاكموا إلينا ، إذا لم يكن حينئذٍ مشتملاً على مانع
، وإن كانوا يعتقدون أنه ليس بنكاح : لم يجُز الإقرار عليه "
انتهى
.
" مجموع الفتاوى " ( 29 / 12 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله :
إذا كان النكاح صحيحاً على مقتضى الشريعة الإسلامية : فهو صحيح ، وإن كان فاسداً -
على مقتضى الشريعة الإسلامية - : فإنهم يقرون عليه بشرطين :
الأول : أن يروا أنه صحيح في شريعتهم .
الثاني : ألا يرتفعوا إلينا .
فإن لم يعتقدوه صحيحاً : فرِّق بينهما ، وإن ارتفعوا إلينا : نظرنا ، فإن كان قبل
العقد : وجب أن نعقده على شرعنا ، وإن كان بعده : نظرنا ، إن كانت المرأة تباح
حينئذٍ : أقررناهم عليه ، وإن كانت لا تباح : فرَّقنا بينهما ، ودليل هذه الأشياء :
إسلام الكفار في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فأبقى مَن كان معه زوجته على
نكاحه في الجاهلية ، ولم يتعرض له ، فدلَّ هذا على أنه يبقى على أصله "
انتهى
.
" الشرح الممتع " ( 12 / 239 ، 240 ) .
وأما الزنا ، وما يسمى بعلاقات
الصداقة : فكل ذلك باطل في شريعتهم وشريعتنا ، وهو نتاج المسخ الذي يعيشونه في
سلوكهم وعاداتهم .
وقد روى مسلم ( 1700 ) من حديث البراء بن عازب قصة رجم اليهوديين الزانيين ، وكيف
أنهم حتى عندما حرَّفوا التوراة وكتموا ما أنزل الله فيها : فإنهم لم يبيحوا الزنا
، بل حرَّفوا عقوبته ، وجعلوها الجلد والتسويد بالفحم بدلا من الرجم .
وهو كذلك عند النصارى ، كما في إنجيل " متى " : ( 19 / 18 ) : " فقال يسوع : لا
تقتل ، لا تزن ، لا تسرق ، لا تشهد بالزور " ، وفي إنجيل " مرقس " ( 10 / 19 )
وإنجيل " لوقا " ( 18 / 20 ) : " أنت تعرف الوصايا : لا تزن ، لا تقتل ، لا تسرق ،
لا تشهد بالزور " .
ولذلك نقول :
لو أن هذين الوالدين كانا متزوجين – ولو على ملة النصرانية أو اليهودية - : فإنه
يقر نكاحهما ، وتنسب الابنة لأبيها ، أما وقد كانت الابنة من سفاح : فإنها لا تنسب
للزاني ، بل تنسب لأمها ، كما هو واقعها الآن .
وفي شرعنا المطهَّر : قد اتفق العلماء جميعهم على عدم إلحاق ولد الزنا بالزاني إذا
لم يطلب الزاني إلحاقه به ، بل جمهور أهل العلم قالوا بعدم إلحاقه به ولو أراد
الزاني ذلك .
وليست المسألة لكون الزاني ليس على قيد الحياة ، بل لأن العلاقة بينهما لم تكن
علاقة زواج ، وكانت الابنة تلك نتيجة تلك العلاقة .
وقد جاءت شريعتنا المطهرة بتحريم نسبة الولد لغير والده ، ، قال الله تعالى : (
ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا
آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ
اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً ) الأحزاب/ 5
.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ
وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ ، وَمَنْ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ).
رواه البخاري ( 3317 ) ومسلم ( 61 ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وقال بعض الشرَّاح : سبب إطلاق الكفر هنا : أنه كذب على الله ، كأنه يقول : خلقني
الله من ماء فلان ، وليس كذلك ؛ لأنه إنما خلقه من غيره .
" فتح الباري " ( 12 / 55 ) .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ
الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ) . رواه
البخاري ( 3318 ) .
وقَالَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ ادَّعَى إِلَى
غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ) .
رواه البخاري ( 4072 ) ومسلم ( 63 ) .
والخلاصة :
أن ولد الزنا - سواء كان الزانيان مسلمين أو غير مسلمين - : لا ينسب للزاني ، بل
يُنسب لأمه ، فالحال التي عليها تلك الأخت المسلمة حديثاً صحيح ، وإن كان لا يمكنها
إلا أن تنسب لرجل لا امرأة : فيمكنها – للضرورة – أن تنسب لاسم رجل غير معيَّن ولا
معروف ، بل تختار اسماً مركباً من مقاطع وتنتسب له ، ولا يجوز لها أن تُنسب إلى
زوجها .
والله أعلم