خسرت حُسن عشرة زوجها بسبب علاقتها بغيره
باختصار أنا لي علاقة مع شاب تعرفت عليه عن طريق المنتدى ثم الماسنجر ثم الجوال ، وقد كشف زوجي الأمر وغضب عليَّ ، وقال لي : لولا الأبناء لأصبحت مطلقة ، ولكن أصبر وأتزوج بأخرى ، أنا أدركت ذنبي وتبت ، وبدأت حياتي من جديد ، وأصبحت أُكثر الاستغفار والحمد والشكر على النعمة ، لكن زوجي كل يوم يسمعني كلاما يهز الجبال ، كرهته ولكن صبرت ، وحاولت أن أحبه ، وألبي جميع طلباته التي كنت في السابق لا ألبيها ، تعبت من كثرة الطلبات ، ولم أقل شيئا ، بل برحب وسعة ، لكن لا أجد إلا السب والشتم وتذكيري بالعلاقة السابقة ، وبعد عدة أشهر رجع الشاب واتصل عليَّ ، واستمر بذلك وبإرسال الرسائل ، ولكن خشيت من زوجي ؛ لأنه إذا رن جوالي برقم غريب يطلب مني أرد ، وأرفض ، قال لي : ردي لعله ذلك الشاب ، وإذا رديت أصبح الشخص غلط ، قال لي أكيد بينكم رموز ، ماذا أفعل ؟ أصبحت أخاف من الجوال ، وأخفيه عن زوجي دائما خوفا أن يرن رقم غريب ، ويشك بي .
ماذا أعمل مع ذلك الشاب ، مللت الحياة ، تمنيت الموت كل الذي أستطيع عمله قراءة القرآن.
الجواب
الحمد لله.
لا يزال الطمع في قلب ابن آدم حتى يهلكه ، وما حرم القناعة إنسان إلا تاه في أودية
الهم والاضطراب ، يتلفت يمنة ويسرة لعله يجد ما يملأ به نفسه التي تمنى وتشتهي ،
ولا يملأ قلب ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب .
وأسوأ الطمع ما تُقتَحَمُ به الحرمات ، وتضيع فيه الأعراض : كالطمع في زوجات
المسلمين وأعراضهم ، أو طمع المرأة في شباب المسلمين ، وعدم القناعة بالزوج الذي
مَنَّ الله به عليها ، وقد علم المسلمون جميعا أن اللذات لا تنال بمعصية الله تعالى
، وأن السعادة إنما تتوافر في طريق الطاعة وحفظ حدود الله عز وجل .
ولقد كانت المعصية سببا في هلاك أمم سابقة ، فهل تظنين أنها ستكون سببا في سعادة
إنسان ؟! كما كانت المعصية أيضا طريقا إلى النقم ، فهل تريدينها أن تكون مجلبة
للنعم ؟!
والله عز وجل يقول : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )
الشورى/ 30 .
قد يكون من السهل الوقوع في الخطأ ؛ فالنفس تندفع برغبات اللذة والشهوة نحو المعصية
، لكن من الصعب تحمل التبعات ، والتعامل مع آثار تلك الأخطاء .
قال ابن القيم رحمه الله:
" الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ؛ فإنها إما أن توجب ألما
وعقوبة ، وإما أن تقطع لذة أكمل منها ، وإما أن تضيع وقتا إضاعته حسرة وندامة ،
وإما أن تثلم عرضا توفيره أنفع للعبد من ثلمه ، وإما أن تُذهب مالا بقاؤه خير له من
ذهابه ، وإما أن تضع قدرا وجاها قيامه خير من وضعه ، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ
وأطيب من قضاء الشهوة ، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقا لم يكن يجدها قبل ذلك ، وإما
أن تجلب هما وغما وحزنا وخوفا لا يقارب لذة الشهوة ، وإما أن تنسي علما ذكره ألذ من
نيل الشهوة ، وإما أن تشمت عدوا وتحزن وليا ، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة ،
وإما أن تحدث عيبا يبقى صفة لا تزول ، فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق "
انتهى
.
" الفوائد " ( ص 139 )
.
وأنت اليوم في المشكلة التي تعرضين إنما تواجهين نتائج أخطاء تراكمت ، ومعاص تساهلت
بها ، ثم لم تحسني التوبة منها :
- أما محادثتك مع ذلك الشاب فمن أقبح ما يمكن أن يصدر من امرأة أنعم الله عليها
بالزوج والمنزل والولد ، وكفاها بؤس الحياة الذي يواجهه كثير ممن حرموا البيوت
السعيدة والحياة الهانئة .
وقد كفانا زوجك مؤونة اللوم والعتاب ، فهو يسمعك كل يوم كلاما " يهز الجبال " - على
حد وصفك - ، والمقصود هو أن تدركي من قرارة قلبك عظيم الخطأ الذي ارتكبت .
- وأما ما ذكرت بشأن عدم تلبيتك رغبات الزوج وحاجاته في السابق ، فهي معصية أخرى
كان لها أثر كبير في تحويل حال أسرتك إلى هذا العناء .
ألم تعلمي أن طاعة الزوج واجبة ، وأن خدمته وتلبية طلباته من أفضل ما تقدمه الزوجة
عند الله وعند الناس ، وقد جاء عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِابْنَةٍ لَهُ
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَذِهِ ابْنَتِى قَدْ أَبَتْ أَنْ تَزَوَّجَ ،
فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم : أَطِيعِى أَبَاكِ ، فَقَالَتْ :
وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى تُخْبِرَنِى مَا حَقُّ
الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ، قَالَ : حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَوْ
كَانَتْ لَهُ قُرْحَةٌ فَلَحِسَتْهَا مَا أَدَّتْ حَقَّهُ )
رواه النسائي في " السنن الكبرى " ( 3 / 283
) ، وقال المنذري في " الترغيب والترهيب " ( 3 / 98 ) : إسناده جيد ، وصححه
الألباني في " صحيح الجامع " ( 3148 ) .
وعلاج مشكلتك
يبدأ من حيث طاعة الله ورضاه سبحانه ؛ لأن المصيبة بدأت من معصيته ومخالفته ، وقد
وعد الله عز وجل التائب بتبديل السيئات إلى حسنات ، ووعده فضلا منه وأجرا .
التوبة تبدأ من الحزم والعزم بترك ما فرط من معصية ، وقطع كل صلة محرمة ، وفي قصتك
تبدأ من إلغاء الهاتف الجوال بالكلية ، وعدم العودة إليه حتى تطيب نفس الزوج بشراء
رقم جديد لك ، إذا فعلت هذا فقد أثبت لزوجك ولنفسك صدق توبتك والرغبة الجادة في
الإصلاح .
وكيف تريدين من زوجك أن يتجاوز ما مضى وأنت لم تتجاوزيه وعدت إليه ؟!
لقد حفظ لك زوجك حقا عظيما وطوقك بمنة كبيرة حين أعطاك فرصة جديدة للعيش معه ، ولعل
سبب ذلك الحقيقي رغبته فيك ومحبته لك ، وإلا فقد كان التسلسل المنطقي للأحداث أن
تتجه نحو الفضيحة والفراق والطلاق ، لكن الله مَنَّ ولطف وأنعم عليك بالستر والبيت
والأسرة ، فالواجب أن تبادلي زوجك بالإحسان إحسانا ، وتحفظي حدود الله فيه ، فتقطعي
فعليا كل وهم وسبيل إلى عودة اتصال ذلك المعتدي بك ، ولكن الذي حصل منك هو تكرار
للخطأ ، وإصرار على المعصية ، وتساهل في تحقيق التوبة .
فهل تنتظرين بعد ذلك توفيقا وإصلاحا ؟
كيف تسمحين لنفسك تكرار سماع صوت ذلك الشاب ، واستقبال الرسائل منه مرة أخرى ، وكيف
عدت إلى تحميل زوجك همَّ الوسواس الذي يصيب كل إنسان حين يرى ريبة من زوجته ، كيف
تريدينه أن يثق بك من جديد وأنت لم تمنحيه الثقة الكافية ، ونحن نؤكد لك أن
استمرارك على هذه الحال سيؤدي إلى خسران أعظم مما أنت فيه ، وتأملي حالك لو أن زوجك
أخبر أهلك بما تفعلينه ، لا شك أن ما ستكونين فيه من هموم وغموم أعظم مما أنت فيه
الآن .
نحن ندعوك – أختنا السائلة – إلى ضرورة الاستدراك والإصلاح ، وقد قطعت شوطا جيدا ،
ليبقى لك الكثير أيضا ، فنوصيك بتقوى الله عز وجل ، والحرص على البيت والزوج
والأبناء ، ولا تلتفتي إلا إلى رضوان الله تعالى ، ليكن هذا همك وسعيك ، واثبتي ولا
تيأسي من المحاولة ، واستمري على حسن العشرة والطاعة بالمعروف ، ولا يُقعدك ما
تجدينه من نفور الزوج وسوء معاملته ، فإِنْ صَدَقْتِ اللهَ في التزامك بشرعه صدقك
هو سبحانه فأصلح لك زوجك ولو بعد حين ، وأعاد حاله إلى السعادة المرجوة ، ودرأ عنك
كل فتنة وتعاسة ، وماذا يبتغي الإنسان من دنياه سوى حياة هادئة صفوها العافية ،
وسرها العبودية ، فإذا أكرم الله العبد بشيء من ذلك فليحافظ على النعمة بشكرها
وتقوى الله فيها ، والقناعة كنز لا يفنى .
نسأل الله تعالى لك الهداية والتوفيق والسعادة .
والله أعلم