تزوجت منذ فترة قصيرة ، ولكني لست سعيدة بهذا الزواج , ولا يوجد في زوجي عيب أو شيء منفِّر بل هو يحافظ على الصلاة في المسجد ، وصاحب أخلاق ، ويحاول أن يتقي الله , المشكلة أنني لا أحبه ، مع أني كنت دائما أرغب بالزوج الملتزم ، قد أكون تسرعت في الموافقه لأنني لم أتعرف عليه جيداً قبل الزواج وكنت أحيانا وقت العقد أشعر بعدم القبول ، أخاف من أن انفصل عنه من المستقبل المظلم ، ولكني مترددة ، الشيء الوحيد الذي يطمئني أنني استخرت الله قبل الموافقة عليه ، أنا لا أعلم ما أنا فيه وهل هذا ابتلاء حقا أم أنا التي صنعت هذا الهم لنفسها ، وهل يمكن أن أكمل في زواجي هذا بهذا الشعور الداخلي وأنجب أولادا منه ، ويكبرون ، وتكون هذه حياتي مع شخص لست راضية به ، أم عليَّ أن أتناسى وأعيش هكذا بلا شعور مع زوجي ! .
الحمد لله.
أولاً:
إن نعَم الله تعالى على الإنسان كثيرة وعظيمة ، وهو يعجز عن إحصائها ، فأنَّى
يستطيع شكرها ؟! ولذلك وَصف الله تعالى الإنسان بالظلم والجهل بعد بيان عظيم نعَم
الله ، قال تعالى : ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) إبراهيم/
من الآية 34 ، فاعلمي أيتها الأخت
أنك تتقلبين في نعم الله تعالى ، حيث رزقك الله بزوج صالح ، وبيت تأوين إليه ، في
الوقت الذي ترتفع آهات كثيرة من نساء لا يجدن زوجاً ، ومن وجدت فقد يكون ظالماً أو
فاجراً ، وفي الوقت الذي تتشرد فيه الآلاف من النساء بسبب الفقر والحروب ، فاحرصي
على شكر النعمة بالمحافظة عليها ، وأداء حقها ، واحذري من كفرانها ، وإلا سلبها
الله منك ، قال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )
إبراهيم/ 7
.
وحتى تعلمي عظم تلك النعم عليك انظري في حال من فقدها ، أو نقصت منه ، وهي وصية
النبي صلى الله عليه وسلم لنا حتى لا يزدري أحدنا نعمة الله عليه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ
هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ )
رواه مسلم ( 2963 )
.
ثانياً:
مما نعجب منه في رسالتك قولك " فأنا لم أتعرف على زوجي جيِّداً قبل الزواج " ! وهل
تعتقدين أن ما يحدث قبل الزواج بين الرجل والمرأة هو شرعي أولاً ؟ وهل تظنين أنه
بتلك العلاقة يتعرف الرجل على المرأة والعكس ؟ إن أكثر ما يحدث في فترة التعارف تلك
ليس بشرعي ، بل هو مخالف للشرع ؛ حيث يكون التوسع في النظر والحديث ، والاختلاط
المستهتر ، والخلوة المحرمة ، وغير ذلك من المنكرات الشرعية ، وهي مشهورة بين الناس
.
وفي هذه الفترة لا يَظهر الرجل على حقيقته ، ولا المرأة كذلك ، بل يحاول كل واحد
منهما أن يُظهر صفاتٍ جميلة ، وأخلاقاً عالية راقية ، ولا تظهر الحقائق إلا فيما بعد
الزواج ، وفي إحصائيات متعددة في دول مختلفة تبين أن الزواج الذي تسبقه علاقة " حب
محرَّم " أفشل من ذلك الذي خلا من تلك العلاقة ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (84102)
، وحسبنا تنبيهك أنه ليس ثمة حاجة لتلك الفترة لتتعرفي على زوجك ، وقد ذكرت من
صفاته وأخلاقه ما يغنيك عن تلك الفترة للتعرف عليه .
إن الحب قبل الزواج قائم على المخادعة العاطفية ؛ إذ ليس في المرأة ما يجعلها
محبوبة لزوجها إلا مظهرها الخارجي ! بخلاف الحب بعد الزواج فإن سببه المخالطة
والمعاشرة ، ولذا فإن الله تعالى يجعل بين الزوجين مودة ورحمة بعد زواجهما الشرعي ،
لا قبله ، كما قال تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )
الروم/ 21
.
ثالثاً:
تقولين في سؤالك : " كنت دائما أرغب بالزوج الملتزم " ، ونقول لك : ها هي أمنيتك قد تحققت ، وها هي رغبتك قد تحصلت
، فقد رزقك الله زوجاً لا تعيبين عليه خلُقاً ولا دِيناً .
وقد استخرت الله تبارك وتعالى قبل إقدامك على هذا الزواج ،
وهذا من أعظم أسباب توفيقك ، إن شاء الله ، شريطة أن ترضي بما قسم الله تعالى وقدره
لك ، وتعلمي أن الله تعالى قد اختار لك الخير : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً
وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )(البقرة
: 216) .
ونحن معك في الخوف من المستقبل المجهول إذا ما فكرت في
الانفصال عن هذا الزوج الصالح ، وأنت تعلمين نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة ، ولو
كانت امرأة صالحة ، وظلمت في زواجها الأول وهي نظرة خاطئة
فكيف إذا عرف أنك انفصلت عن هذا الزوج الصالح ، من غير ما بأس ، ولا عيب فيه !!
بل إننا نخاف عليك ما هو أشد من ذلك.
ألم تسمعي إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم :
( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ
عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) رواه أبو
داود (2226) وصححه الألباني .
وانظري جوابي السؤالين : (
23420 ) و (
20949 ) .
والله أعلم