عمله يقتضي منه فتح جهاز الأذان الموحَّد وفيه قرآن قبله وصلاة على النبي بعده
يسأل أحد الإخوة المؤذنين العاملين في وزارة الأوقاف فيقول : أنا مؤذن وخادم مسجد ، كُلِّفنا قبل مدة مِن الزمن بالأذان الموحد عن طريق الإذاعة ، وقد كلِّفنا كذلك بتشغيل قراءة للقرآن الكريم قبل الأذان ، وكذلك أيضا الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان .
السؤال : هل أنا آثم بالقيام بهذه الأعمال ، علماً بأني مكلف رسميّاً بها , وإذا لم أقم بذلك فسوف يلحقني الضرر ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
الأذان من آلة التسجيل ، أو من المذياع ، أو من مكان واحد وإرساله عن طريق الأجهزة
إلى باقي المساجد : بدعة محدثة ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (48990)
.
ثانياً:
قراءة القرآن والتسبيحات والأذكار قبل الأذان للصلوات الخمس : بدعة محدثة أيضاً .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما حكم الإسلام في قراءة القرآن يوم الجمعة قبل صلاة الظهر بمكبرات الصوت ، إذا قلت
هذا أمر غير وارد يقول لك : تريد أن تمنع قراءة القرآن ؟ وما رأيكم في الابتهالات
الدينية تسبق أذان الفجر بقليل بمكبرات الصوت إذا قلت : هذا أمر ليس له دليل : يقول
لك : هذا عمل خير ، يوقظ الناس لصلاة الفجر .
فأجابوا :
" لا نعلم دليلاً يدل على وقوع ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا نعلم
أحداً من الصحابة عمل به ، وكذلك الابتهالات التي تسبق الأذان للفجر بمكبرات الصوت
، فكانت بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من
أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) "
انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 495 ، 496 )
.
ثالثاً:
الجهر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان من المؤذن : بدعة محدثة
أيضاً ؛ لأن الأذان عبادة ، لا يحل الزيادة على ألفاظه ، ولا النقصان منها ، وهي
تبدأ بقول المؤذن : " الله أكبر ، الله أكبر " ، وتنتهي بقوله : " لا إله إلا الله
" ، وكل ما أضيف إلى الأذان قبله أو بعده : فمحدث ، وبدعة .
وقد خلط هؤلاء الأذان بما قبله وما بعده من القرآن والأذكار حتى ضيعوا الأذان ،
فجعلوه وسط تلك الجمل والمحدثات ، وكذا تسببوا في إزعاج الناس وقطع نومهم وعبادتهم
.
قال ابن الجوزي – رحمه الله – في ذِكر أوجه تلبيس الشيطان على المؤذنين - :
" ومنه : أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح والمواعظ ، ويجعلون الأذان
وسطاً ، فيختلط ، وقد كره العلماء كل ما يضاف إلى الأذان ، وقد رأينا مَن يقوم
بالليل كثيراً على المنارة ، فيعظ ، ويذكِّر ، ومنهم من يقرأ سوراً مِن القرآن بصوت
مرتفع ، فيمنع الناس من نومهم ، ويخلط على المتهجدين قراءتهم ، وكل ذلك من المنكرات
" انتهى .
" تلبيس إبليس " ( ص 157 ) .
وقال المقريزي – رحمه الله – في بيان تاريخ هذه البدعة وحكمها – وأنها حدثت في سنة
791هـ ، سمع بعض الفقراء الخلاطين سلامَ المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ليلة الجمعة ( وهي شيء محدث أيضاً ) ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم
: أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان ؟ قالوا : نعم ، فبات تلك الليلة ، وأصبح
متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله في منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه
عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان ، فمضى
إلى محتسب القاهرة ، وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي ، وكان شيخاً جهولاً ، سيء
السيرة في الحسبة والقضاء ، متهافتاً على الدرهم ولو قاده إلى البلاء ، لا يحتشم من
أخذ الرشوة ، ولا يراعي في مؤمن إلاًّ ولا ذمة ، وجهالاته شائعة ، وقبائح أفعاله
ذائعة ، وقال له : رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان
قولهم " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " كما يفعل في كل ليالي الجمع ، فأَعجب
الجاهلَ هذا القول ، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا
بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه
العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ
مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( إياكم ومحدثات الأمور ) ، فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة ، وتمَّت
هذه البدعة ، واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر ، وبلاد الشام ، وصارت العامة
وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحل تركه ، وأدَّى ذلك إلى أن زاد
بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين
الذين ماتوا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون "
انتهى من الخطط المقريزية " ( 2 / 172 ) ، وانظر "
الإبداع في مضار الابتداع " للشيخ علي محفوظ ( ص 172 - 174 )
.
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ما يفعله بعض الناس عندنا في الأردن ! وبعض البلدان الأخرى من قول المؤذن بعد
الأذان : " اللهم صل على سيدنا محمد ، وعلى آله ، وصحبه أجمعين " , فهل في ذلك شيء
؟ وما حكمه ؟ .
فأجاب :
" هذا المقام فيه تفصيل : فإن كان المؤذن يقول ذلك بخفض صوت : فذلك مشروع للمؤذن
وغيره ممن يجيب المؤذن ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سمعتم المؤذن
فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن مَن صلى عليَّ واحدة صلَّى الله عليه بها عشراً
، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله
وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة )
خرَّجه مسلم في صحيحه
, وروى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة
والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محموداً الذي وعدته حلت له
شفاعتي يوم القيامة ) .
أما إن كان المؤذن يقول ذلك برفع صوت كالأذان : فذلك بدعة ; لأنه يوهم أنه من
الأذان , والزيادة في الأذان لا تجوز ; لأن آخر الأذان كلمة " لا إله إلا الله " ,
فلا يجوز الزيادة على ذلك , ولو كان ذلك خيراً لسبق إليه السلف الصالح ، بل لعلَّمه
النبي صلى الله عليه وسلم أمَّته ، وشرعه لهم , وقد قال عليه الصلاة والسلام : (
مَن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) أخرجه
مسلم في صحيحه , وأصله في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها .
وأسأل الله سبحانه أن يزيدنا وإياكم وسائر إخواننا من الفقه في دينه , وأن يمنَّ
علينا جميعا بالثبات عليه , إنه سميع قريب "
انتهى
.
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 1 / 439 ، 440 )
و ( 10 / 362 ، 363 ) .
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة
للإفتاء " (6/101-103) :
" يُشرع بعد الأذان للمؤذن وغيره أن يصلِّي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يقول
: " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ... " ... لكن يقولها المؤذن وغيره
بصوت هادئ ، ولا يرفع صوته بذلك ، لعدم نقل الجهر به ، كما تقدم "
انتهى
.
رابعاً:
وإذا تبيَّن بدعية الأذان الموحد ، وبدعية التسبيح والذِّكر وقراءة القرآن قبل
الأذان ، وبدعية الجهر بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم : يتبين الحكم
في العمل على قيام المؤذن بهذه الأفعال ، وهو عدم جواز ذلك ، وإن رأى المؤذن أن هذا
الأمر مؤقت ، وأنه في سبيله للإلغاء والإبطال ، أو تيسر له الانتقال لوظيفة إمام ،
أو وظيفة إدارية : فيمكنه البقاء إلى ذلك الحين ، وإن استمر الأمر واستقر : فلا وجه
للبقاء في تلك الوظيفة التي تساهم في انتشار تلك البدع والمحدثات .
والله أعلم