تخيل أن زوجته أمامه وخاطبها بما يخشى أن يكون طلاقاً
كنت ألوم زوجتي على جودة الطعام ثم ذهبت من أمامي وأنا مستلقي على السرير وفجأة تخيلت أن الموقف عاد من ثاني مثلما يفرط أحد في الخيال أنه يتشاجر مع شخص ويتخيل أنه يشتمه ويندمج في الحوار – إنني تخيلتها وهى واقفة أمامي ونهرتها وقلت لها يا للا فكي من هنا – وبدلاً من أن استكمل بالجملة الدارجة حلى عني ، قلت لها : أنت في حل مني . كل هذا بصوت بيني وبين نفسي ، وأنا وحدي في الغرفة ، وبعدها انتبهت أنني أفرطت في الخيال – فهل هذا يعتبر من كنايات الطلاق ؟ رغم أنه موقف خيالي حتى وإن تلفظت بهذه الكلمات ؟ علماً بأن هذا الموقف منذ سنوات وكانت زوجتي حاملاً وأنا أحبها جداً ، ولا يوجد بيننا شجار أبداً فما العمل الآن ؟ وهل هذه تحسب طلقة أم لا ؟ وإذا كانت ذلك هل تعتبر معاشرتي لها على اعتبار أنني لم أطلقها يعتبر رد لها ؟ وهل من الضروري إخبارها بذلك كله أم لا ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
قولك : "هذا بصوت بيني وبين نفسي" إن كنت تقصد أنك لم تتلفظ بهذا الكلام ، وإنما
دار ذلك في مخيلتك ، ولم يخرج عن كونه حديثَ نفس فلا يترتب عليه شيء ، لقوله صلى
الله عليه وسلم : (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم)
رواه البخاري (5269) ومسلم (201) .
فالطلاق لا يقع بمجرد النية ، بل لا بد من شيء يدل عليه كصيغة أو كتابة ، ولهذا قال
قتادة : "إذا طلق في نفسه فليس بشيء" .
قال ابن حجر : "واحتج الخطابي بالإجماع على أن من عزم على الظهار لا يصير مظاهراً ،
قال : وكذلك الطلاق ، وكذا لو حدث نفسه بالقذف لم يكن قاذفاً ، ولو كان حديث النفس
يؤثر لأبطل الصلاة" انتهى .
انظر : "فتح الباري"(9/394) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (81726)
.
أما إن كنت تلفظت بتلك الكلمات فقد ذكرت أن لسانك سبقك إلى عبارة : "أنت في حل مني"
وكنت تقصد العبارة الدارجة : "حلِّي عني" ، والجمهور على أن طلاق المخطئ لا يقع
لقوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا
تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) الأحزاب/5 ، وقوله تعالى :
(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) البقرة/286
، وقد روى مسلم (200) عن ابن عباس رضي الله عنها أنه لما نزلت هذه الآية قال الله
تعالى : (قد فعلت) .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه (2045) وحسنه النووي ، وصححه الألباني في
"إرواء الغليل" (1027).
فمن سبق لسانه إلى لفظ الطلاق من غير قصد له لم يقع به الطلاق لانتفاء القصد إليه .
قال ابن القيم رحمه الله : "والمقصود أن سبق اللسان إلى الطلاق من غير قصد له مانع
من وقوعه عند الجمهور" انتهى .
"إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" (ص60) .
وقال الغزالي عند ذكره لأسباب اختلال القصد إلى الطلاق : "السبب الأول : سبق اللسان
، فإذا بدرت منه كلمة الطلاق في محاورته أو في النوم لم يقع طلاقه" انتهى .
"الوسيط" للغزالي (5/385) .
وقال العدوي في "حاشيته" (2/102) : "من أراد أن يتكلم بغير الطلاق فالتوى لسانه
فتكلم بالطلاق فلا شيء عليه ، إن ثبت سبق لسانه" انتهى .
وانظر : "الشرح الكبير" لأحمد الدردير(2/366) ، "حاشية الدسوقي" (2/366) .
ثم قولك : "أنت حل مني" من ألفاظ الكنايات التي لا يقع بها الطلاق إلا إذا نواه
الزوج بهذا الكلام ، فما دمت لم تقصد الطلاق فلا يقع الطلاق.
فالذي يظهر من سؤالك ؛ أنه لا يقع عليك طلاق بهذا .
والله أعلم .