الحمد لله.
يجاب على ذلك بأمور :
أحدها : أن لا يقصدوا الشهادة لذاتها , بل يتخذون هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق ؛ لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات , والناس غالباً لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة وبذلك تكون النية سليمة .
الثاني : أن من أراد العلم قد لا يجده إلا في هذه الكليات فيدخل فيها بنية طلب العلم ولا يؤثر عليه ما يحصل له من الشهادة فيما بعد .
الثالث : أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين حسنى الدنيا , وحسنى الآخرة فلا شيء عليه في ذلك ؛ لأن الله يقول : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً - ويرزقه من حيث لا يحتسب ) الطلاق/2-3 ، وهذا ترغيب في التقوى بأمر دنيوي .
فإن قيل : من أراد بعمله الدنيا كيف يُقال بأنه مخلص ؟
فالجواب :
أنه أخلص العبادة ولم يرد بها الخلق إطلاقاً فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم على عبادته بل قصد أمراً مادياً من ثمرات العبادة , فليس كالمرائي الذي يتقرب من الناس بما يتقرب به إلى الله ويريد أن يمدحوه به , لكنه بإرادة هذا الأمر المادي نقص إخلاصه فصار معه نوع من الشرك وصارت منزلته دون منزلة من أراد الآخرة إرادة محضة .
وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أن بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية ؛ فمثلاً يقولون في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب , وفي الصيام فائدة لإزالة الفضلات وترتيب الوجبات , والمفروض ألا تجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل ؛ لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف الإخلاص والغفلة عن إرادة الآخرة , ولذلك بيَّن الله تعالى في كتابه حكمة الصوم - مثلاً -
أنه سبب للتقوى , فالفوائد الدينية هي الأصل , والدنيوية ثانوية , وعندما نتكلم عند عامة الناس فإننا نخاطبهم بالنواحي الدينية , وعندما نتكلم عند من لا يقتنع إلا بشيء مادي فإننا نخاطبه بالنواحي الدينية والدنيوية ولكل مقام مقال .