تزوجها عرفياً ثم تركها وهرب
تعرفت على شاب ، وخدعني بأنه يريد الزواج مني ، ولكن لا يستطيع إعلان ذلك الآن ولا التقدم لأهلي ، وتزوجني عرفياً وكتبنا ورقة بذلك ، ثم ذهب وتركني . فهل أنا زوجته فعلاً ؟
الجواب
الحمد لله.
لا نزال نسمع مثل هذه المآسي ، فإلى متى تظل بناتنا غافلات لا يدرين ما يريده أولئك
المجرمون؟
كل واحدة منهن تقول : إنني واثقة من نفسي ، وواثقة من هذا الشاب ، إنه ليس كغيره ،
ثم إذا نال منها ما يريد تركها وهرب .
عشرات القصص بل مئات بل أكثر ، فيها هذه المآسي ، تتكرر ، ولا تزال تتكرر .
لقد كان الشرع حكيماً لما منع المرأة من التبرج وإظهار زينتها أمام الرجال الأجانب
عنها .
وكان حكيماً لما منع المرأة من مخالطة الرجال الاختلاط المستهتر الذي لا يأتي إلا
بالشر .
وكان حكيماً لما منع المرأة من الكلام مع رجل أجنبي عنها من غير حاجة أو داع لذلك .
وكان حكيماً لما سد الطريق أمام الغاوين والذين في قلوبهم مرض ، فأَمَرَ المرأةَ
بالحجاب ، والتستر ، والبعد عن مجامع الرجال ما أمكنها ذلك ، وحَرَّم لمس المرأة
للرجل الأجنبي عنها ، وحرم خلوته بها ، وحرم التكسر والميوعة في الكلام – وغير ذلك
كثير .
كل ذلك حفاظاً عليها وعلى عفتها ، وعلى المجتمع بأسره من الرذيلة والفاحشة ، حتى
يسود العفاف والطهر والحياء .
ولما خالفت المرأة كل ذلك ، وقعت فريسة لذئاب لا يراعون لله حرمة ، فلا دين ولا
خُلق يمنعهم من شيء ، ثم تندم المرأة ... ولكن بعد فوات الأوان ، وقت لا يمكن للندم
أن يعيد ما فات .
لقد كان الشرع حكيماً لما منع المرأة من تزويج نفسها ، بل اشترط أن يتولى ذلك وليها
، فإنه أقدر منها على اختيار الزوج المناسب لها ، وحتى لا تنخدع المرأة ، ويتلاعب
بها المجرمون .
وزواج المرأة بلا ولي ، حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه زواج باطل ، فقال صلى
الله عليه وسلم : (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا ،
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ)
رواه الترمذي (1102) وأبو داود (2083) وصححه
الألباني في "إرواء الغليل" (1840) .
فإذا انضم إلى ذلك التواصي بكتمانه ، فلا يتم إعلانه ولا إعلام الناس به ، فهو
الزنا الذي لا يرتاب أحد فيه ، ولا يغني مجرد ورقة يتم كتابتها ، فهذه الورقة لا
قيمة لها ، ولا تغير الحرام إلى حلال .
فما يسميه الناس "نكاحاً عرفياً" ويكون بدون علم الولي ، ولا شهود ، ولا إعلان ، هو
نكاح باطل ، وهو زنا ، وليس بنكاح .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأما " نكاح السر " الذي يتواصون بكتمانه ، ولا يشهدون عليه أحداً : فهو باطل عند
عامة العلماء ، وهو من جنس السفاح ، قال الله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ
ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ)
النساء/24.
" مجموع الفتاوى " ( 33 / 158 ) .
وقال أيضاً :
"إذا تزوجها بلا ولي ، ولا شهود ، وكتما النكاح : فهذا نكاح باطل باتفاق الأئمة ،
بل الذي عليه العلماء أنه (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) ، (أَيُّمَا امْرَأَةٍ
نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) ، وكلا هذين اللفظين مأثور في السنن عن النبي صلى الله عليه
وسلم ، وقال غير واحد من السلف : لا نكاح إلا بشاهدين ، وهذا مذهب أبي حنيفة
والشافعي وأحمد ، ومالك يوجب إعلان النكاح .
و " نكاح السرِّ " هو من جنس نكاح البغايا"
انتهى
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 102 ، 103 ) .
فعلى هذا ؛ فما تم بينكما ليس بزواج شرعي ، ولست زوجة لهذا الرجل .
وقد سبق بيان حكم النكاح العرفي في جواب السؤال رقم (45513)
و (45663) .
وفي جواب السؤال رقم (7989) تجدين الأدلة
على بطلان النكاح بلا ولي .
وأخيراً ... ندعوك إلى التوبة إلى الله تعالى والندم على ما فات ، والعزم على عدم
العودة إلى ذلك ، والعزم على إصلاح العمل والاستقامة على شرع الله ، فإن الله تعالى
وعد من تاب من المعاصي ، وأصلح العمل ، وعده بالتوبة والمغفرة ، قال الله تعالى : (فَمَنْ
تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة/39
، وقال تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ
اهْتَدَى) طه/82
، نسأل الله تعالى أن يوفقك للتوبة وأن يتقبل منك .
والله أعلم .