ما حكم دخول المسلم للكنيسة لسماع محاضرة تُلقى هناك ؟
الحمد لله.
دخول الكنائس للاجتماعات وسماع المحاضرات لا يخلو من محاذير عدة ، سبق بيان بعضها في جواب السؤال رقم (82836) .
وقد اختلف العلماء في حكم دخول المسلمِ الكنيسةَ ابتداء ، على أقوال :
القول الأول : التحريم ، وهو قول الحنفية والشافعية إلا أن الشافعية قيدوا التحريم بوجود الصور ، كما في " تحفة المحتاج " ( 2 / 424 ) و " نهاية المحتاج " ( 2 / 63 ) و " حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي " ( 4 / 236 ) .
أما الحنفيَّة فكان تحريمهم مطلقا ، وعللوه بأنها مأوى الشياطين ، كما قال ابن نجيم من الحنفية في " البحر الرائق " ( 7 / 364 ) ، وفي " حاشية ابن عابدين " ( 2 / 43 ) .
القول الثاني : الكراهة ، وهو قولٌ عند الحنابلة ، إلا أن بعضهم قيد الكراهة بما إذا وجدت الصور في الكنيسة ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى الكبرى " ( 5 / 327 ) : " والمذهب الذي عليه عامة الأصحاب : كراهة دخول الكنيسة المصورة ، وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ولا شك " انتهى .
انظر: "الفروع" (5/308) و "الآداب الشرعية" (3/415) و "الإنصاف" (1/496) .
واستدلوا بالأدلة الآتية :
1. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا :( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ ) رواه البخاري ( 3352 ) .
2. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( وَعَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ ، فَرَاثَ عَلَيْهِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ ، فَشَكَا إِلَيْهِ مَا وَجَدَ ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ ) رواه البخاري (5960).
3. وعن أسلم مولى عمر قال : ( لما قدم عمر الشام صنع له رجل من عظماء النصارى طعاما ودعاه فقال عمر : إنا لا ندخل كنائسكم من الصور التي فيها - يعني : التماثيل - ) رواه عبد الرزاق في " المصنف " ( 1 / 411 و 10 / 398 ) .
القول الثالث : جواز دخول الكنيسة مطلقا ، وهو قولٌ للحنابلة ، وعليه المذهب ، كما في " المغني " ( 8 / 113 ) و " الإنصاف " ( 1 / 496 ) .
وهو قول ابن حزم الظاهري كما في " المحلى " ( 1 / 400 ) .
واستدلوا بما يلي :
1. ما ورد في شروط عمر على أهل الذمة أن يوسعوا كنائسهم وبيَعهم ليدخلها المسلمون للمبيت بها والمارة بدوابهم .
" المغني " ( 8 / 113 ) .
2. وروى ابن عائذ في " فتوح الشام " أن النصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشام طعاما فدعوه ، فقال أين هو : قالوا : في الكنيسة ، فأبى أن يذهب ، وقال لعلي : امض بالناس فليتغدوا ، فذهب علي بالناس ، فدخل الكنيسة وتغدى هو والمسلمون ، وجعل علي ينظر إلى الصور ويقول : ما على أمير المؤمنين لو دخل .
" المغني " ( 8 / 113 ) .
وبالتأمل في الأدلة السابقة لا يظهر أن هناك دليلا صريحا على تحريم دخول الكنائس ، ووجود التماثيل والصور فيها وفي أي مكان لا يحرم دخوله ، فالإثم على المصورين وعلى من يصنع تلك التماثيل ، وأما من يدخل مكانا فيه تلك التماثيل فإنما عليه النصح والبيان ، ولا يجب عليه الخروج من ذلك المكان .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"فأما دخول منزل فيه صورة : فليس بمحرم ، وإنما أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة للداعي بإسقاط حرمته لإيجاده المنكر في داره ، ولا يجب على من رآه في منزل الداعي الخروج في ظاهر كلام أحمد ، فإنه قال في رواية الفضل : إذا رأى صورا على الستر لم يكن رآها حين دخل قال : هو أسهل من أن يكون على الجدار ، قيل : فإن لم يره إلا عند وضع الخوان بين أيديهم أيخرج ؟ فقال : لا تضيق علينا ، ولكن إذا رأى هذا وبخهم ونهاهم" انتهى .
" المغني " ( 8 / 113 ) .
ولكن .. لا أقل من أن يُقال بكراهة دخول الكنيسة من غير حاجة ، فإن امتناع الملائكة وامتناع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول البيت الذي فيه صورة ، يدل على كراهة ذلك .
ثم هذه الكراهة قد تصل إلى التحريم إذا ترتب على دخول الكنيسة مفسدة ، كما لو كان فيه إقرار للنصارى على شركهم ودعواهم الصاحبة والولد لله ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
أو كان في دخول الكنيسة مصادقة للنصارى ومودة لهم ... إلخ .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 115 ) :
"إن كان ذهابك إلى الكنيسة لمجرد إظهار التسامح والتساهل : فلا يجوز ، وإن كان ذلك تمهيدا لدعوتهم إلى الإسلام وتوسيع مجالها ، وكنت لا تشاركهم في عبادتهم ، ولا تخشى أن تتأثر بعقائدهم ولا عاداتهم وتقاليدهم : فذلك جائز" انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم ( 11232 ) .
والله أعلم