إذا ترك صلاة الفجر عمدا هل يترتب عليه شيء ؟
أنا شاب ولله الحمد عقدت عقد الزواج ، ولم أبن بزوجتي ، والحمد لله حريص على أداء الصلاة في أوقاتها ، السؤال هو أنني أصبحت يوما لصلاة الفجر ، فوجدت نفسي محتلما ، فأكملت نومي ولم أصل حتى خرج وقت الصبح وطلعت الشمس ، فاغتسلت ، وصليت ، فهل بذلك أكون قد تركت الصلاة متعمدا ، وخرجت من الملة ، وما حكم عقدي بزوجتي هل ما زالت زوجتي ، أم أصبحت طالقا ، إذا ترتب على تركي لصلاة ( الفجر فقط ) الخروج من الملة ؛ لأني قرأت أن بعض العلماء من السلف كالإمام أحمد رحمه الله والخلف قالوا أن ترك صلاة واحدة يخرج من الملة ، ومنهم الشيخ ابن باز رحمه الله .
أرجو الإفادة لحالتي لحساسية الموضوع ، ولشكي في عقد زواجي .
وجزاكم الله كل خير .
الجواب
الحمد لله.
نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياك على طاعته ، وأن يجعل صلاتنا وعبادتنا خالصة لوجهه
الكريم .
ونشكر لك حرصك وورعك وخوفك من أمر هو في دين الله عظيم ، والمسلم دائم الحذر
والمراقبة والمراجعة ، يخشى أن يعذبه الله بذنبه ، فيحرص على التوبة والإنابة
والاستغفار.
ونذكرك أخانا السائل أن المسلم الذي ينام عن الصلاة عن غير قصد بعد أن اتخذ الأسباب
العادية للاستيقاظ ، ولكن لم تفلح هذه الأسباب في إيقاظه ، فهذا لا إثم ولا حرج
عليه .
أما الذي يستيقط ويعي ما حوله ، ويعلم أن وقت الصلاة قد دخل ، ثم يتعمد استكمال
النوم ناويا الاستمرار حتى خروج وقتها فقد وقع في إثم عظيم وذنب كبير يقتضي
المسارعة إلى التوبة والندم ، ويكفيه إثما وخطرا أن العلماء قد اختلفوا في كفره على
قولين .
فقد اختلف أهل العلم – من القائلين بتكفير تارك الصلاة - في صفة الترك الذي يستوجب
الكفر :
فقال بعضهم : هو مطلق الترك ، فلو ترك صلاة واحدة متعمدا من غير عذر حتى خرج وقتها
كفر ، وهو قول إسحاق بن راهويه وغيره ، واختيار اللجنة الدائمة ، والشيخ عبد العزيز
بن باز رحمهم الله من المعاصرين .
انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/41)، و"مجموع فتاوى ابن باز" (29/179)
وقال بعض أهل العلم : إن الذي ينطبق عليه حكم الكفر ، هو الذي يترك الصلاة تركا
مطلقا ، وأما من يصلي حينا ، ويترك الصلاة حينا ، فهذا لا يكفر الكفر المخرج من
الملة ، وإن كان مع قد أتى بابا عظيما من أبواب الإثم .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إن كثيراً من الناس ، بل أكثرهم ، في كثير من الأمصار ، لا يكونون محافظين على
الصلوات الخمس ، ولا هم تاركيها بالجملة ، بل يصلون أحياناً ، ويدعون أحياناً ،
فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق ، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها
من الأحكام " انتهى. "مجموع الفتاوى" (7/617) .
على أن الذي لا خلاف فيه بين أهل العلم ، أن من ترك صلاة واحدة ، الفجر أو ما سواها
، حتى يخرج وقتها ، فقد أتى بابا عظيما من الإثم ، أعظم من السرقة وشرب الخمر
والزنا ، فإما هو فاسق من شر فساق أهل الملة ، حتى يتوب ويرجع عن ترك صلاته ، أو هو
كافر ، كما ذهب إليه كثير من أهل العلم ، بل هو المحكي عن أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
فالنصيحة للأخ السائل ولجميع إخواننا المسلمين أن نتسابق في الحرص على أداء الصلوات
، وعدم التهاون في تركها ، فهي عمود الدين ، مَن ضَيَّعها فهو لما سواها أضيَع ،
فإذا قَصَّر المسلم في أداء هذا الواجب في بعض المرات فعليه أن يتوب إلى الله تعالى
ويستغفره ، ويكثر من النوافل مع القضاء ، وليس عليه أن يجدد عقد زواجه ، فهو عقد
صحيح باق إن شاء الله تعالى ، لا ينقضه ترك صلاة واحدة على الصحيح من أقوال أهل
العلم .
وانظر جواب السؤال رقم : (10914)
، (52923) ، (83165)
وأما عقدك بقاؤك مع زوجتك ، وعقدك عليها ، فهو صحيح ، ولا تحتاج إلى عقد جديد ، إن
شاء الله .
أما على مذهب من يرى أن تارك الصلاة لا يكفر ، فهو واضح .
وأما على مذهب من يرى كفر من ترك صلاة واحدة وردته ؛ فإن المرتد لا تبين منه امرأته
إلا إذا انقضت عدتها ، وهو في ردته .
جاء في الموسوعة الفقهية : " قال الشّافعيّة : إذا ارتدّ أحد الزّوجين المسلمين فلا
تقع الفرقة بينهما حتّى تمضي عدّة الزّوجة قبل أن يتوب ويرجع إلى الإسلام ، فإذا
انقضت بانت منه ، وبينونتها منه فسخ لا طلاق ، وإن عاد إلى الإسلام قبل انقضائها
فهي امرأته"
وهذا القول هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد . قال المرداوي : وهو المذهب ، وهو
الصحيح . انظر : الإنصاف (8/215-216) ، تصحيح الفروع (249-250) .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " الدوام أقوى من الابتداء ؛ ألا ترى أن العدة و الردة
تمنع ابتداء عقد النكاح دون دوامه " . الصارم المسلول (1/273) .
بل اختار شيخ الإسلام رحمه الله بقاء النكاح ما لم تنكح زوجا غيره ، [ يعني : ولو
بعد انقضاء العدة ] ؛ فإن كان الزوج هو المرتد ، فالأمر إليها ، ولا حكم له عليها ،
ولا حق عليه ، لأن الشارع لم يستفصل ، وهو مصلحة محضة ، وكذا إن كانت الزوجة هي
التي ارتدت ، وليس له حبسها ، وأنها متى أسلمت فهي امرأته ، إن اختار .
انظر : الفروع لابن مفلح (5/246-250) ، الإنصاف للمرداوي (8/213، 216) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله ، في امرأة زوجها لا يصلي ، ويفعل المحرمات :
" وتمتنعين من أن يقربك بجماع وغيره ، حتى يتوب إلى الله وحتى يدع عمله السيئ ، ولا
سيما ترك الصلاة ، فإذا تاب إلى الله وصلى ، فلا مانع " .
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ عبد العزيز بن باز (10/255-256) .
والله أعلم .