أريد أن أعمل في مختبر لمحاربة التسمم ، والذي من بين مهامه الثانوية : القيام بإجراء تحاليل على عينات مأخوذة من موتى , هذه العينات غالباً ما تكون أظافر ، أو شعَر ، أو بعض سوائل الجسم (كالدم ومحتوى المعدة) ، وقد تكون أحياناً أجزاء من أعضاء داخلية ، كالكبد ، والكُلية ، تطلب هذه التحاليل في حالات معينة كأن يراد معرفة سبب الوفاة عند وجود شكوك حول اغتيال المتوفى بسمٍّ ، قد سمعت من ذي قبل حديثاً في معناه أن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حيّاً ، أريد إذاً التأكد من جواز القيام بتلك التحاليل ، وهل هي جاءت في حالات دون أخرى ؟ حبذا لو ذكرتم لنا أقوال علمائنا كالشيخ العثيمين والألباني وابن باز في هذه المسألة ، أو ما يقاربها .
الحمد لله.
الأصل المقرر في شرع الله تعالى احترام بدن المسلم حيّاً وميتاً ، ولهذا أُمر المسلمون بالحفاظ على أبدان الموتى وذلك بدفنها ، وعدم التعرض لها ، بالإهانة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) رواه أبو داود (3207) وابن ماجه (1616) من حديث عائشة ، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” ، وهو الحديث الذي أشار إليه الأخ السائل ، وهذا هو لفظه لا ما جاء في السؤال فيما نعلم .
وقد وُجد في زماننا هذا من الضرورات والحاجات الماسة ما يقتضي الاستثناء مما سبق ذِكره بخصوص الموتى ، فاحتاج الأمر لفتوى تضبط تلك الاستثناءات ، فكان الأمر كذلك ، فصدرت الفتاوى من المجامع الفقهية ، والهيئات العلمية الموثوقة تبين جواز تشريح جثث الموتى من المسلمين إذا كان هذا من أجل التحقيق الجنائي لمعرفة سبب الموت ، وهذا مما لا ينبغي أن يُختلف فيه ؛ لعظم المصلحة المترتبة عليه .
ويلحق به : تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة لا من أجل دعوى جنائية ، بل من أجل الوقوف على حقيقة المرض الذي أصاب الميت قبل موته ، وخاصة إن كان مرضاً وبائيّاً .
ويبقى استثناء ثالث ، وهو : تشريح الجثة من أجل تدريب طلبة كليات الطب ، ولإيقافهم على حقيقة أجزاء البدن ، وهذا وإن كان فيه مصلحة عظيمة تترتب على فعله ، إلا أنه ينبغي عدم فعل ذلك في جثث المسلمين ، ويُلحق بهم من له عهد وذمة من أهل الكفر ، وعليه : فيجوز فعل ذلك في جثث المحاربين ، والمرتدين .
وهذا الذي ذكرناه هو الرأي المعتمد عند علمائنا ومشايخنا ، وهو الذي صدرت به قرارات المجامع الفقهية المعتبرة .
وانظر جواب السؤال رقم ( 92820 ) فقد نقلنا فيه كلام هيئة كبار العلماء ، وقرار المجمع الفقهي ، وفتوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
والشيخ الألباني رحمه الله يرى حرمة تشريح الكافر إلا إن أذن أهله بذلك ، كما في شريط رقم (809) من “سلسلة الهدى والنور” ، وما قاله الشيخ رحمه الله يشمل الكافر الحربي ، وقد ذكر رحمه الله أن المسلمين مأمورون بدفنه لو قتل في ساحة المعركة .
وبمثل ذلك قال الشيخ العثيمين رحمه الله ، كما في “الفتاوى الثلاثية” ، إلا أنه علَّل ذلك بأنه من المُثْلة ، وهو حرام ؛ وبأنه يُخشى أن يفعلوا مثله في جثث المسلمين .
وانظر كلام الشيخ الفوزان في جواب السؤال رقم : ( 107345 ) .
والخلاصة :
أننا نعتمد ما جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” ، و “مجمع الفقه الإسلامي” ، وقد ذكروا من الشروط والضوابط ما تنضبط به المسألة .
والله أعلم