لا تزور أخاها ولا ابنة عمها خشية الأذى منهما فهل هذا من قطيعة الرحم؟
سؤالي عن صلة الرحم لي أخ أكبر مني أخاف منه لأنه يحاول التحرش بي ولم يستطع ، وتحرش بأختي الصغرى ، والآن أخاف على ابنتي البالغة من العمر 14 سنة ، لذلك لا أزوره في بيته أبداً ، وهو متزوج ، ولا أختلي به ، ولا أدع ابنتي تختلي به ، صلة رحمي معه هو سلامي عليه حين زيارته لمنزلنا ، وعندما أصادفه في بيت أحد من إخواني ، وأنا مطلقة وأعيش في منزل والدي ، فهل أكون بذلك وصلت رحمي معه ولم أقطعه ؟ لأني لا أريد الذهاب لمنزله .
ولي ابنة عم شقيق لوالدي ولا أزورها لأني أتأذى منها ، ولكن أسلم عليها في الاجتماعات العائلية والمناسبات ، فهل وصلت رحمي ؟ وهل هي من رحمي ؟
الجواب
الحمد لله.
أولاً :
ما ذكرته من تحرش أخيك بك وبأختك الصغرى ، أمر تقشعر منه الأبدان ، وتنفر منه
النفوس ، لما فيه من مخالفة الفطرة ، والارتكاس إلى عالم البهيمية بل أضل ؛ إذ كثير
من البهائم لا تفعل هذا ولا تقبله .
وقد أحسنت وأصبت في عدم زيارتك له وعدم اختلائك به ، ومنع ابنتك من الخلوة به ؛
لأنه شخص غير مؤتمن .
وما ذكرت من السلام عليه عند لقائه ، كافٍ في صلة رحم أمثاله من أهل الشذوذ
والانحراف ، نسأل الله العافية .
ثانياً :
ابنة عمك من جملة الأرحام الذين ينبغي صلتهم والإحسان إليهم ، وبذل المودة لهم ،
لكن هل هي من الرحم التي يجب صلتها أو لا ؟ خلاف بين الفقهاء ، وبيان ذلك أن الرحم
نوعان : رحم مَحْرَم ، ورحم غير مَحْرَم .
وضابط الرحم المَحرَم : كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم يجز لهما أن
يتناكحا ، كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا ، والأولاد
وأولادهم وإن سفلوا ، والأعمام والعمات ، والأخوال والخالات .
وأما أولاد الأعمام والعمات والأخوال والخالات ، فليسوا من الرحم المَحرَم ، لجواز
التناكح بينهم .
والرحم غير المَحرَم : ما عدا ذلك من الأقارب ، كبنت عمك وعمتك، وابن عمك وعمتك ،
وابن خالك ، وبنت خالك ، وهكذا .
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرحم التي يجب صلتها : هي الرحم المحرم فقط ، وأما غير
المَحْرَم ، فتستحب صلتها ولا تجب ، وهذا قول للحنفية ، وغير المشهور عند المالكية
، وقول أبي الخطاب من الحنابلة ، وحجتهم أنها لو وجبت لجميع الأقارب لوجب صلة جميع
بني آدم ، وذلك متعذر ، فلم يكن بد من ضبط ذلك بقرابة تجب صلتها وإكرامها ويحرم
قطعها , وتلك قرابة الرحم المحرم .
والقول الثاني في المسألة : أنه يجب صلة الرحم كلها ، لا فرق بين المحرَم وغيره ، "
وهو قول للحنفية , والمشهور عند المالكية , وهو نص أحمد , وهو ما يفهم من إطلاق
الشافعية , فلم يخصصها أحد منهم بالرحم المحرم " . "الموسوعة الفقهية
الكويتية" (3/83) .
وينظر : "غذاء الألباب" للسفاريني (1/354) ، "بريقة محمودية" (4/153) .
قال في "سبل السلام" (2/628) : " واعلم أنه اختلف العلماء في حد الرحم التي تجب
صلتها فقيل : هي الرحم التي يحرم النكاح بينهما بحيث لو كان أحدهما ذكرا حرم على
الآخر . فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال . واحتج هذا القائل
بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح لما يؤدي إليه من التقاطع .
وقيل : هو من كان متصلا بميراث ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : (ثم أدناك
أدناك).
وقيل : من كان بينه وبين الآخر قرابة سواء كان يرثه أو لا .
ثم صلة الرحم كما قال القاضي عياض : درجات بعضها أرفع من بعض ، وأدناها ترك
المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام , ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة ، فمنها
واجب ومنها مستحب ، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعا ، ولو قصر عما
يقدر عليه وينبغي له ، لم يسم واصلا .
وقال القرطبي : الرحم التي توصل الرحم عامة وخاصة ، فالعامة رحم الدِّين , وتجب
صلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة .
والرحم الخاصة تزيد بالنفقة على القريب وتفقِّد حاله والتغافلِ عن زلته "
انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (72834)
.
وسواء كانت ابنة العم من الرحم التي يجب صلتها ، أو كانت من الرحم التي يستحب صلتها
فقط ، فإن كان يلحقك الأذى بمخالطتها وزيارتها، واقتصرت على السلام عليها في
الاجتماعات العائلية والمناسبات ، فلا حرج عليك ، ولا تعدين بذلك قاطعة للرحم .
والله أعلم .