افتتان كثير من الناس بالرؤى ، وأحوال المعبرين ، ونصيحة للرائين
ما هو الموقف الشرعي من المنامات وتفسيرها ؟ وهل تفسير الأحلام عِلم أم موهبة لدى الشخص ؟ هناك مفسرون للأحلام ولكن آثار الصلاح لا تظهر فيهم ، مثل وجود اللحية ، وغيرها ، فما رأيكم ؟ .
الجواب
الحمد لله.
افتتن كثير من الناس هذه الأيام بالمنامات ، وتعلقت قلوبهم بتعبيرها ، وراحوا
يبذلون الأوقات والأموال من أجل البحث عن أحدٍ يعبر لهم رؤيا رآها ، وقد أنشئت من
أجل ذلك الزوايا في الصحف والمجلات ، والبرامج في القنوات الفضائية ، والمواقع في
الإنترنت ، ووضع بعض المعبرين أرقاماً له خاصة يدفع المتصل مالاً من أجل أن يعرف
تعبيراً لرؤياه ، ويقتسم هذا المال ذلك المعبر وشركة الاتصالات ! في فوضى كبيرة ،
تحتاج لوعي يعرف فيه المسلمون الحق من الباطل .
1. أما من حيث التعبير : فإن الرؤيا يختلف تعبيرها من شخص لآخر ، ومن حالٍ للرائي
من آخر ، ومن بيئة لأخرى ، ومن يعبِّر دون أن يعلم حال هذا الرائي وبيئته فإن خطأه
سيكون أكثر من صوابه .
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله - :
إن من المهم ألا نعتمد على ما يوجد في بعض الكتب ككتاب " الأحلام " لابن سيرين ،
وما أشبهها ؛ فإن ذلك خطأ ؛ وذلك لأن الرؤيا تختلف بحسب الرائي ، وبحسب الزمان ،
وبحسب المكان ، وبحسب الأحوال ، يعني : ربما يرى الشخص رؤيا فنفسرها له بتفسير ،
ويرى آخر رؤيا هي نفس الرؤيا فنفسرها له بتفسير آخر غير الأول ؛ وذلك لأن هذا رأى
ما يليق ، وهذا رأى ما يليق به ، أو لأن الحال تقتضي أن نفسر هذه الرؤيا بهذا
التفسير ...
ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد قبل الواقعة - أو في أثنائها - رأى
في المنام أن في سيفه ثلمة ، ورأى بقراً تنحر ، ففسرها بأنه يُقتل أحدٌ من أهل بيته
، وأنه يُقتل نفر من أصحابه ، فالثلمة هي أنه يقتل أحد من أهل بيته ؛ لأن الإنسان
يحتمي بقبيلته ، ويحتمي بسيفه ، فلما صار في السيف ثلمة : فمعنى ذلك : أنه سيكون
ثلمة في أهل بيته ، ووقع كذلك ، فقد استشهد حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم في "
أحد " ، أما البقر التي تنحر : فالذين قتلوا من الصحابة رضي الله عنهم في " أحد "
نحو سبعين رجلا ، وإنما رآه بقراً : لأن البقر فيها منافع كثيرة ، فهي أنفع ما يكون
من بهيمة الأنعام للحرث ، وللسمن ، وللنماء ، ولللبن ، وفيها مصالح كثيرة ،
والصحابة رضي الله عنهم كلهم خير ، ففيهم خير كثير لهذه الأمة ، ولو لم يكن من
خيرهم إلا أن الله سبحانه وتعالى وفقهم لحمل الشريعة إلى الأمة : لكان ذلك يكفيهم ،
إذ أنه لا طريق لنا إلى شريعة الله إلا بواسطة الصحابة رضي الله عنهم .
" شرح رياض الصالحين " ( 4 / 377 ) .
2. وأما من حيث المعبِّر : فقد اختلف العلماء في التعبير هل هو علم وهبي أم كسبي ،
ومعنى الوهبي أنه يكون هبة من الله تمكِّن صاحبها من القدرة على التعبير ، وأما "
الكسبي " : فهو أنه يمكن لأحد أن يتعلم قواعدها وضوابطها ليكون من المعبِّلرين ،
والذي نراه أنه علم وهبي في أصله ، وقد ينمو ويزيد بالنظر والممارسة .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
ما رأيكم فيمن يقول : إن تفسير الأحلام يعود لملَكة الشخص ، فهل هناك ضوابط شرعية
في تفسير الرؤى والأحلام ؟ .
فأجاب :
هي صحيحة ، تعبير الرؤيا ليس مكتسباً , لكنه شيء يقذفه الله في قلب الإنسان , ولهذا
تجد بعض المعبِّرين جهَّالاً لا يعرفون شيئاً من الدين ، ومع ذلك يعبرون , ومع
التمرن يكون مكتسباً .
وليس هناك قواعد يمشي عليها الإنسان ؛ لأنه قد يخطئ خطأً كثيراً في التطبيق , إذ قد
تكون صورة الرؤيا واحدة وتختلف اختلافاً عظيماً بحسب الرائي ، وبحسب الحال ، ولكن
الذي أنصح به إخواننا ألا يهتموا بهذا الأمر كثيراً ؛ لأنهم إذا اهتموا بهذا كثيراً
: لعب بهم الشيطان في منامهم , فيأتيه كل ليلة يريه رؤيا تفزعه , ثم يطلب من يؤولها
، أو من يعبرها , والإعراض عن هذا أحسن بكثير , وإذا رأى ما يكره : فلا يحاول أن
تعبَّر له , بل يفعل كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم : يتفل عن يساره ثلاث مرات ،
ويقول : ( أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت ) ولا يخبر أحداً بهذا ,
وحينئذٍ لا تضره شيئاً , قال الصحابة رضي الله عنهم : " كنا نرى الرؤيا في المنام
ونمرض منها , فلما حدَّثنا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث استرحنا " ، إذا
رأيت ما تكره : فافعل هذا , ولا تحرص على ملاحقة الرؤى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 205 / السؤال رقم 8 ) .
3. وأما من حيث الرائي : فإننا ننصح المسلمين أن لا يضيعوا أوقاتهم وأعمارهم
وأموالهم في تتبع تعبير ما يرون ، فقد تكون أحلاما من الشيطان لإدخال الحزن إلى
قلبه ، وقد تكون من حديث النفس مما لا تعبير له ، وما يرام من رؤيا صالحة فلا ينبغي
أن ينشغل بتعبيرها ، وليشتغل بما كلفه الله به من طاعات ، والرؤيا تسر المؤمن ولا
تحزنه ، وتفرحه ، ولا تغرُّه ، فلينظر لتقصير نفسه في الأوامر فيصلحها ، ولينظر
لطاعته لربه فيزيدها ، وإذا أصرَّ على التعبير فلينظر ثقة في دينه ، مزكًّى في
سلوكه وأخلاقه ليعرضها عليه ، ولا ينشغل بذلك انشغالاً يضيع عليه وقته وعمره .
وانظر تفصيلا وافياً في الرؤى وأقسامها وتفصيلاتها في جوابي السؤالين : (
6537 ) و (25768
) .
والله أعلم