قتل أبوه رجلا فهل يسعى لعفو الأولياء أم يسكت ليكون القصاص كفارة له؟
كان بين والدي وأخيه بعض الخلافات عن ممتلكات وغيرها ، واستمرت هذه الخلافات ما يقارب السنتين ، حتى انتهت بتغلب الشيطان على والدي وقام بقتل أخيه .
نحن وأولاد عمي لم نتدخل بأي شكل من الأشكال في خلافاتهم ، واستطعنا استيعاب الحادث كي لا تحدث خلافات بيننا بسبب مقتل عمي.
واستمرت قضيتهم ما يقارب الخمس سنوات ، وقد صدر حاليا حكم محكمة الاستئناف بالإعدام.
وعندي بعض الاستفسارات :
1- هل إذا سامح أحد أولاد عمي من الأبناء أو البنات يسقط حكم الإعدام عن والدي أم لا ؟
2- وفي أي حالة يمكننا مساعدة والدي كي يسقط هذا الحكم ؟ مع العلم بأننا إلى الآن لم نحاول بتوسيط أي أحد كي يقوم بإقناع أحد أولاد عمي أو أمهم في التنازل والعفو عنه ، ومع العلم أني متزوج ابنة عمي "المقتول" رحمه الله .
3- إذا تم سقوط الحكم وعدم تنفيذه كيف يكون الحكم بالنسبة للذنب الذي ارتكبه والدي ؟ أي ما هو الواجب على والدي حتى يكسب عفو الله سبحانه وتعالى ، ما هو الحل الأنسب له في الآخرة هل تطبيق الحكم أم التوبة - في حالة وجود عفو من أولياء الدم أو أحدهم - ؟ .
4- أفكر في حالة تطبيق الحكم أن أقوم بعمل حج لروح والدي ، علماً بأنه قد يكون عليه ديون ، فهل يجوز لي أن أقوم بعمل الحج عنه بعد مماته وعليه ديون ؟ .
هل أقوم بالمحاولة لإقناع أولياء الدم بالعفو ، وهل هذا سيكون عائقاً في إقامة حد من حدود الله أم لا ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
القتل العمد كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب ، وفاعلها متوعد بالعقاب الشديد والعذاب
الأليم في الآخرة ، كما قال تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) النساء/93.
وروى الترمذي (1395) والنسائي (3987) وابن ماجه (2619) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: ( لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ )
صححه الألباني في صحيح الترمذي .
فعلى من وقع في ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يكثر من الأعمال الصالحة لعل الله
أن يعفو عنه ، ويرضّي المقتول يوم القيامة فلا يطالبه بحقه .
وذلك أن قتل المؤمن عمدا يتعلق به ثلاثة حقوق : حق الله عز وجل ، وحق المقتول ، وحق
لأولياء المقتول ، فإن تاب القاتل توبة نصوحا سقط حق الله ، وإن سَلَّم نفسه
للأولياء فاقتصوا منه أو أخذوا الدية أو عفوا ، سقط حق الأولياء ، وبقي حق المقتول
، ويُرجى أن يسقطه الله عنه ويعوض المقتول من فضله . كما قال أهل العلم .
وعلى هذا ؛ فلا حرج عليكم في السعي في طلب العفو من أولياء المقتول أو بعضهم ، لأن
حقهم يسقط عن أبيك بالقصاص أو الدية أو العفو .
والذي ينبغي أكثر أن يكون سعيك واجتهادك في توجيه أبيك للتوبة وحثه عليها ولو بطريق
غير مباشر ، كأن توصي من يدعوه ويوجهه إلى ذلك ، فهذا من أعظم البر به ، رجاء أن
يعفو الله عنه .
ثانياً :
إذا عفا أحد أولياء المقتول عن القصاص ، وقبل الدية ، أو عفا مجانا ، سقط القصاص .
وأولياء المقتول هم ورثته ، ذكورا أو إناثا .
"الموسوعة الفقهية" (33/271).
وإذا كان فيهم صغير انتظر حتى يبلغ ، لاحتمال أن يعفو عن القصاص عند بلوغه .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/214) : " إذا كان للمقتول أولياء يستحقون
القصاص , فمن شرط وجوبه اجتماعهم على طلبه , ولو عفا واحد منهم , سقط كله , وإن كان
بعضهم غائبا , أو غير مكلف , لم يكن لشركائه القصاص حتى يقدم الغائب , ويختار
القصاص , أو يوكّل , ويبلغ الصبي ويفيق المجنون ويختاراه " انتهى .
والأصل في ذلك قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ
وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ
وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَكُمْ فِي
الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )
البقرة/178، 179.
ثالثاً :
إذا مات الإنسان وعليه دين ، فإنه يلزم سداد دينه من تركته ، فإن لم يكن له مال ،
لم يلزم الوارث ذلك ، لكن يستحب له أن يقضي دينه برا وإحسانا . وينظر جواب السؤال
رقم (43085) .
وكذلك لو مات ولم يحج حج الفريضة مع وجوب الحج عليه في حياته لكونه مستطيعا ماليا ،
لزم أن يحج عنه من تركته ، فإن لم يكن له مال ، وتبرع أحد بالحج عنه فحسن .
وقضاء ديون والدك أولى من الحج عنه .
ونسأل الله تعالى أن يتوب على والدك وأن يعفو ويتجاوز عنه .
والله أعلم .