الحمد لله.
أولاً:
لا يستطيع أحد وصف شعور الوالدين اللذين يريان ابنتهم تفعل المنكرات أمامهم ولا يملكون من أمرهم شيئاً ! ولا يستطيع أحد توصيف حالهما عندما تكون ابنتهم هاربة من بيتهم ، تفعل ما تشاء ، وتبيت حيثما تشاء ! .
إننا لنتخيل كيف أن قلب والدتها يتفطر ، وكيف أن عقل والدها يكاد يطيش ، ونسأل الله العفو والمعافاة ، ونسأله السلامة لديننا وأعراضنا ، وأن يهدي تلك الابنة الطائشة ، وأن يحفظ على والديها دينهم ، وعقولهم .
وإزاء هذه المشكلة ، وهي معضلة عويصة بحق ، وهي مصيبة ، دونها كل مصيبة ، نقول أولا : إن إثم القطيعة إنما هو على هذه البنت التي اختارت طريق الشيطان لها طريقا ، ورفضت أن تعود إلى أدب دينها وفطرتها وعفتها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم .
وأما عن مبدأ بقائها خارج البيت ، وقطع الصلة بها ، فلعل في النصائح التالية ما يكون فيه نفع وفائدة لكم في ذلك الأمر :
1. إذا كان في قبول إعادة العلاقة مع ابنتكم أنها ستتسبب في إفساد أخواتها اللاتي يسكن عندكم في البيت : فمن غير تردد : لا تقبلوا بإعادتها ، مهما كانت الظروف ، ولا تجعلوا الحسرة تتكرر ، والخسارة تتفاقم .
2. إذا كنتم تودون لها الهداية ، وستبذلون في ذلك جهدكم ، واتفقتما على ذلك – والخطاب لوالديها - : فاقبلوا بها أن ترجع ، وأما عدم استعدادكم لتحملها في سبيل هدايتها ، أو مع عدم اتفاقكما على ذلك : فلا تقبلوا بها ، ولا ترجعوها .
3. لعل في طلب ابنتكم بإعادة علاقتها معكم من الأمل ما يمكن أن يُستثمر من قبَلكم في سبيل هدايتها وصلاحها ، فلا تفرطوا فيه ، فقد يكون سبب طلبها الرجوع إليكم حاجتها لعاطفة الأمومة ، أو لملء فراغ عاطفي لا تملؤه إلا الأسرة ، أو قد يكون سبب رجوعها إليكم حاجتها للمال ، والمهم في ذلك : أنها هي الراغبة في إعادة العلاقة ، فمن النصحية أن تستثمروا هذا أفضل استثمار ؛ لتحققوا هدفكم وغايتكم في هدايتها ، وكف نفسها عن غيها ، حتى وإن كان بغضها والسخط على أفعالها يملأ قلوبكم : فتجرعوا تلك المرارة ، من أجل إصلاحها ، أو ـ على أقل تقدير ـ الحد من فسادها وشرها .
4. وننصحكم أن لا تواجهوها بالتأنيب ، والتثريب ، فقد يكون هذا مما ينفرها منكم ، فما مضى ولَّى وانتهى ، وأنتم الآن تريدون إيقافه ، وقد يسوِّل لها الشيطان هجركم مرة أخرى ، والفراق الأبدي معكم إن كنتم ستواجهونها بما فعلتْ ، وليكن همكم أن تراجع هي نفسها ، وتؤنبها ، وعسى أن يكون ذلك قريباً .
5. وننصح الأم الفاضلة أن تتحمل رؤيتها ، وأن تحتسب ذلك عند ربها ، ونحن نعلم أن الأمر مؤلم ، وأن القلب مجروح ، لكننا نريد إصلاح ما مضى ، وليس الاستمرار به ، فضلاً عن زيادته ، ولتكن هذه الأم أختاً وصديقةً لابنتها بالإضافة لكونها أمّاً ؛ حتى تتقرب إليها أكثر ، وحتى يُسمع لكلامها ، ويُؤخذ بنصحها ، ولسنا بحاجة لإعادة الخطاب مع الأب ، وظننا أنه يتفهم ما نصحنا به زوجته .
6. وعلى الوالدين الفاضلين تجهيز برنامج هداية لابنتهما ، يبدأ في أول زياراتها لهم ، وينتهي إن شاء الله في أقرب وقت عندما نسمع أنها هداها الله ، واستقامت على الطريق ، وليكن من فقرات هذا البرنامج :
أ. كثرة إهدائها ما يتيسر من أشياء ؛ فإن الهدية تقرب القلوب المتباعدة ، وتحبب القلوب المتنافرة .
ب. الجلسات الأسرية الدافئة ، والسهرات العائلية الحانية ، ولعلَّ هذا ما تفتقده ، ويكون سبباً لرجوعها لدينها وعقلها .
ج. الرحلات إلى أماكن شرعية لا يكون فيها اختلاط ، ولا سماع معازف ومحرمات ، ومن شأن هذا أن يقرِّب المسافة بينها وبين أهلها .
د. تجهيز مواد سمعية ومرئية لبرامج ومحاضرات إسلامية نافعة ، على أن تتناول تلك المواد مواضيع تتعلق بسوء الخاتمة ، وحكم ترك الصلاة ، والموت ، والقبر ، وليكن انتقاء تلك المواد عن طريق التعاون مع أقرب " مركز إسلامي " موثوق به ؛ فإنهم أقدر على جلب تلك المواد التي يحسن أصحابها مخاطبة من يعيش في الغرب ، ويتأثر بثقافتهم .
هـ. وأخيراً : نوصي الوالدين - والأم خاصة – أن يكون في ذلك البرنامج فقرة " الدعاء " لابنتهم أن يصلح الله تعالى حالها ، وأن يوفقها للاستقامة ، وليتذلل كل واحد منكما لربه أن يتقبل دعاءه .
7. إذا كان من الممكن لكم أن تستدرجوا ابنتكم ، وتهربوا بها وبالأسرة كلها ، من البلاد التي تعيشون فيها ، إلى بلاد إسلامية تأمنون فيها على أنفسكم وأديانكم وأعراضكم : فلا تترددوا في ذلك ، فهو واجب حتمي عليكم ؛ حتى وإن خسرتم في سبيله من الدنيا وحطامها ما خسرتم ، حتى ولو عشتم على الكفاف وطي البطون ، فالآخرة خير وأبقى !!
واللهَ تعالى نسأل أن يهدي ابنتكم ، ويوفقها لما فيه رضاه .
والله الموفق