الحمد لله.
يعاني
كثير من الناس من أزمة في " الثقة بالآخرين " ، فمستقل ، ومستكثر ، ويرجع ذلك إلى
أسباب تختلف من شخص لآخر ، ومن أبرز تلك الأسباب : مقابلة كثيرين الإحسان بالإساءة
! والمعاملة السيئة التي قد يكون تعرض لها من أهله أو أقربائه أو القريبين منه ،
فينشأ عند الإنسان صراع في داخله ، يؤدي به إلى فقدان الثقة بالآخرين ، إما على
العموم ، أو بالأقارب والأهل ، أو بالأصدقاء .
ثانياً:
ليس
من مشكلة إلا ولها حل ، وليس من داء إلا وله دواء ، وبما أن الأخت السائلة تدرس "
الشريعة " فلن يكون حل مشكلتها عليها عسيراً ، كما أننا لن نشق على أنفسنا لنوصل
رسالتنا لها لتعالج نفسها من ذلك الداء الخطير ، والذي يسبب ضيقاً ، وحرجاً ،
وعنتاً ، حتى تكون الحياة معه في غاية الصعوبة ؛ لاضطرار المرء من التعامل مع
الآخرين ، فهو لا يستطيع أن يعيش وحده ، حتى يكون له أهل ، وأصدقاء ، وجيران ، فإذا
لم يُحسن التعامل مع تلك المشكلة : سبَّب له ذلك آلاماً ، وحطَّم له آمالاً .
ثالثاً:
هذه وقفات يسيرة معكِ أختنا السائلة ، نرجو أن تجد منكِ آذاناً صاغية :
1. مراسلتكِ لنا تدل على أنكِ لم تفقدي الثقة في جميع الناس ، وإلا فكيف تطلبين النصح ممن لا تثقين بهم ؟! وهذا يسهِّل علينا مهمة النصح والإرشاد .
2. أنتِ تعلمين أنه يوجد من هو مثلك فاقد للثقة في الآخرين ، فهل تعلمين أنكِ من الآخرين عند هؤلاء ؟! وبما أنك لا تقبلين هذا الحكم الجائر من غيركِ عليكِ : فإن الناس لا يقبلون ـ منك ـ سحب الثقة منهم ، وجعلهم محط اتهامكِ بإضمار الشر ، وعدم محبتهم للخير لكِ .
3. اعلمي أيتها الأخت السائلة أن الناس فيهم المسلم والكافر ، وفيهم العاصي والطائع ، وفيهم العاقل والمجنون ، وفيهم الصالح والطالح ، وفيهم من هو من أهل الشر ، ومن هو من أهل الخير ، وهذا هو واقع الناس ، ولا يمكن لأحدٍ أن يجادل فيه .
4. حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من تعميم الحكم بفساد الناس ، وهلاكهم ، وأخبر أن صاحب الحكم الجائر هذا هو أولى بالحكم من الناس ، أو أنه هو الذي أهلكهم ، لا أنهم هالكون في حقيقة الحال .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ : فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : لاَ أَدْرِى ( أَهْلَكَهُمْ ) بِالنَّصْبِ ، أَوْ ( أَهْلَكُهُمْ ) بِالرَّفْعِ .
رواه مسلم ( 2623 ) .
وهذه النظرة التشاؤمية للناس مفسدة للقلب ، والعقل ، وتجعل صاحبها حبيس الأوهام والخيالات ، تنكد عليه معيشته ، وتجعله دائم القلق ، والأحزان .
5. ومع ما ذكرناه سابقاً فإنه لا مانع من الاحتراس من الناس ، وما قلناه لا يعني وضع الثقة في كل أحدٍ ، والإنسان ليس له إلا ما ظهر من الناس ، فلا هو بالذي يعلم بواطن الناس ، ولا هم يعلمون باطنه .
6. إن من المزالق الخطرة على من يعيش مثل هذه النفسية أن يزكي نفسه ، فهو إذا كان يرى أن الناس ليسو أهلا لثقته ؛ لأنهم لا يستحقونها ، سوف تكون النتيجة المنطقية لذلك : أنه ليس مثلهم ، وربما يصل به ذلك إلى العُجب الذي يُهلك صاحبه ، والعياذ بالله ، لذا فإنه عليكِ – أختنا السائلة – الحذر من كيد الشيطان ، فهو لا يفتر ولا ييأس من الكيد للمؤمن ، حتى يوقعه في شرَك الوسوسة ، أو الإحباط ، أو اليأس ، أو غير ذلك من أنواع شباكه .
7. ونصيحتنا – أختنا السائلة – أن لا تكتفي برؤية الجانب المظلم من الناس ، فإنه من المستحيل أن لا يكون قد مرَّ عليك في حياتك مواقف لأناس صالحين ، شرفاء ، ناصحين ، فليكن مثل هؤلاء على بالك حين الحكم على الناس ، حتى تتوزان عندك الأمور ، وتكوني عادلة في الحكم ، ثم إنك لا تعرفين الناس كلهم ، فكم في الأرض من أتقياء ، وأنقياء ، وأصفياء ، وصلحاء ، فلا تجعلي معرفتك بقليل من الناس ميزاناً في الحكم على من لا تعرفين .
8. والمسلم الذي يقابل الناس إحسانَه لهم بإساءة : لا ينبغي له أن يهتم ، أو يغتم ؛ لأن علاقته في فعل الخير هي مع الله ، وليكن شعاره دوماً : ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ) الإنسان/9 .
9. تجنبي الخلطة الزائدة مع الناس ، واجعلي لك ميزاناً عادلاً دقيقاً في انتقاء صديقاتك ، حتى لا ترجعي باللوم على نفسك إن قدَّر الله وأساءت إحداهنَّ لك فيما بعد .
هذه
وصايانا ، ونصائحنا ، ونرجو الله أن ينفعكِ بها .
رابعاً:
وأما بخصوص اختيار الزوج : فقد سبق منا بيان ذلك بكثير من التفصيل ، فنرجو منك مراجعة أجوبة الأسئلة : ( 5202 ) و ( 6942 ) و ( 69964 ) و ( 8412 ) و ( 105728 ) .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن ييسر أمرك ، ويهديك سبل الرشاد ، وأن يرزقك زوجاً صالحاً ، وذرية طيبة .
والله أعلم