ظاهر من امرأته ولم يكفِّر وجامعها وأنجبت منه ، فماذا عليه ؟
قلت لزوجتي أنتِ عليَّ حرام كأمي ، وبعد ذلك جامعتها ، وأتاني أولاد ، ولم أكفِّر ، ليس لدي مال ، ولا أستطيع أن أصوم شهرين ، وأنا تبت إلى الله ، واستغفرته ، فماذا أفعل ؟ .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
هذا اللفظ الوارد في السؤال هو من ألفاظ الظهار المحرَّم ، وقد وصفه الله تعالى في
كتابه بأنه منكر من القول وزور ، فلا يحل لمسلم قوله ، وليست زوجته أمَّه ، ولا مثل
أمه ، فزوجته له حلال ، وأمه عليه حرام ، وتحريم الزوج لزوجته مثل تحريم الأم يوجب
على قائله الكفارة المغلظة ، وهي عتق رقبة مسلمة ، فإن لم يجد فيصوم شهرين متتابعين
، فإن لم يستطع فيُطعم ستين مسكيناً ، ولا يحل له مجامعة زوجته بعد قوله المنكَر
ذاك إلا بعد أن يعتق ، أو يصوم ، أو يُطعم ، فإن جامعها قبل ذلك : أثِم ، ولزمه
الامتناع حتى يؤدي الكفارة .
قال تعالى : ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ
أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ
لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ
. وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ
سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
المجادلة /2-4 .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
الظهار حرام ، لا يجوزُ الإقدامُ عليه ؛ لأنه كما أخبر الله عنه " منكر من القول
وزور " ، وكلاهما حرام ، والفرقُ بين جهة كونه منكراً ، وجهةِ كونه زوراً : أن قوله
: " أنت عليَّ كظهر أمي " يتضمنُ إخباره عنها بذلك ، وإنشاءه تحريمها ، فهو يتضمن
إخباراً ، وإنشاءً ، فهو خبرٌ زُورٌ ، وإنشاءٌ منكر ؛ فإن الزور هو الباطل ، خلاف
الحق الثابت ، والمنكر : خلاف المعروف ، وختم سبحانه الآية بقوله تعالى : ( وَإنَّ
اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُور ) المجادلة/2 ، وفيه إشعار بقيام سبب الإثم الذي لولا عفوُ
الله ومغفرتُه : لآخذ به .
" زاد المعاد في هدي خير العباد " ( 5 / 326
) .
ثانياً:
الصحيح من أقوال العلماء فيمن جامع امرأته قبل الكفارة : أنها لا تسقط عنه ، ولا
تتضاعف عليه ، بل تلزمه الكفارة ذاتها ، مع وجوب التوبة ، والكف الفوري عن جماعها
حتى يكفِّر .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
الكفارة لا تسقُط بالوطء قبلَ التكفير ، ولا تتضاعف ، بل هي بحالها ، كفارةٌ واحدة
، كما دل عليه حكمُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي تقدم ، قال
الصلتُ بنُ دينار : سألتُ عشرة مِن الفقهاء عن المظاهر يُجامع قبل أن يُكفر ،
فقالوا : كفارة واحدة ، قال : وهم الحسنُ ، وابنُ سيرين ، ومسروق ، وبكر ، وقتادة ،
وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، وعكرمة ، قال : والعاشر : أراه نافعاً ، وهذا قولُ
الأئمة الأربعة . " زاد المعاد " ( 5 / 343
) .
ثالثاً:
لا تسقط الكفارة عنك أخي السائل إلا بالعجز التام عن إيجاد رقبة ، والعجز عن الصيام
، والعجز عن الإطعام ، وفي المسألة خلاف أصلاً ، فمنهم من يرى سقوط الكفارة بالعجز
، ومنهم من يراها باقية في ذمتك ، والأرجح أنها تسقط بالعجز التام .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والقول الراجح : أنّها تسقط ، وهكذا أيضاً نقول في جميع الكفارات ، إذا لم يكن
قادراً عليها حين وجوبها : فإنها تسقط عنه ، إمّا بالقياس على كفارة الوطء في رمضان
، وإما لدخولها في عموم قوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )
التغابن/ 16
، ( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ
مَا آتَاهَا ) الطلاق/ 7
، وما أشبه ذلك ، وعلى هذا فكفّارة الوطء
في الحيض - إذا قلنا : إن الوطء في الحيض يوجب الكفّارة - : فإنّها تسقط .
وفدية الأذى إذا لم يجد ، ولم يستطع الصوم : تسقط ، وهكذا جميع الكفارات بناءً على
ما استدللنا به لهذه المسألة ، وبناءً على القاعدة العامة الأصوليّة التي اتفق
عليها الفقهاء في الجملة ، وهي أنّه " لا واجب مع عجز " .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 6 /
418 ) .
وحالك لا يعلم به إلا الله ، فالواجب عليك أن تتقي الله ربك ، وأن تعلم أن جماعك
لزوجتك مع قدرتك على الصيام ، أو الإطعام في حال عجزك عن الصيام : جماع محرَّم ،
تستوجب به الإثم ، وإن كنت عاجزاً عن الصوم لمرض ، أو كبر سنّ ، أو مشقة بالغة :
فأنت معذور به ، ولكن هل تعجز أن تُطعم مسكيناً كلَّ يوم وجبة واحدة ، غداء ، أو
عشاء ؟! الذي يظهر لنا من حال عموم الناس أنه لا يُعجزهم ذلك ، فإن أمكنك إطعام
مسكين كلَّ يوم : فباشر ذلك من الآن ، وامتنِع عن قربان زوجتك حتى تطعم ستين
مسكيناً ، لا يحل لك غير ذلك .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
وقوله : ( أطعم ستين مسكيناً ) هل إطعام الستين مسكيناً تمليك أو إطعام ؟ نقول : في
القرآن الكريم أنه إطعام ، ولم يقل : أعطوا ، بل قال : أطعموا ، وحينئذٍ نعلم أنه
ليس بتمليك ، وبناء على ذلك نقول : إطعام ستين مسكيناً له صورتان :
الأولى : أن يصنع طعاماً - غداء أو عشاء - ، ويدعو المساكين إليه ، فيأكلوا ،
وينصرفوا .
الثانية : أن يعطي كلَّ واحد طعاماً ، ويصلحه بنفسه ، ولكن مما يؤكل عادة ، إما
مُدُّ بُرٍّ ، أو نصف صاع من غيره ، وفي عهدنا ليس يكال الطعام ، ولكنه يوزن ،
فيقال : تقدير ذلك كيلو من الأرز لكل واحد ، وينبغي أن يجعل معه ما يؤدمه من لحم ،
ونحوه ، ليتم الإطعام ، وهل هذا العدد مقصود ، أو المقصود طعام هذا العدد ؟ المقصود
إطعام هذا العدد ، لا طعامه ، بمعنى لو أن إنساناً تصدق بما يكفي ستين مسكيناً على
مسكين واحد : لا يجزئ .
ولو أطعم ثلاثين مرتين : لا يكفي ؛ لأن العدد منصوص عليه ، فلا بد من اتباعه ،
اللهم إلا ألا يجد إلا ثلاثين مسكيناً فهنا نقول : لا بأس ، للضرورة .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 13 /
256 ، 257 ) .
وإن لم تستطع حتى هذا : فقد سقطت
عنك الكفارة ؛ لقوله تعالى ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا )
البقرة/من الآية 286 .
والله أعلم