التعليق على صورة لشاب يُزعم أنه الدجال ! وذِكر بعض صفات الدجال من السنَّة
طالعتنا بعض المواقع على الإنترنت بموضوع لا نعرف له أصلاً عن ظهور المسيح الدجال فى باكستان , ويظهر في هذه الصورة أن الرجل الموجود عنده عين واحدة ! ولكن من وصف المسيح الدجال كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعور العين اليمنى - كما في الصحيحين - وليس له عين واحدة في وسط رأسه ! فما رأيكم في هذا الموضوع ؟ .
ونرجو الاهتمام بهذا السؤال نظرا لأنه انتشر في بعض وسائل الإعلام ، واغتر به كثير من العامة
الجواب
الحمد لله.
الجاهل عدو نفسه ، ولا يزال الجاهلون بشرع الله تتقاذفهم أمواج الحكايات ، والأخبار
، والقصص ، المخترعة ، والمؤلَّفة ، أو المفتراة على الشرع ، وهم يصدِّقون ،
ويتأثرون ، وينشرونها في الآفاق ، ثم يجادلون عنها ، ويتهمون غيرهم ممن ينفيها أو
يردها بالجهل ! ومحاربة الدين ! .
وهذه الصورة المنشورة ، والمنسوبة في الخبر أنها للدجال : أنموذج لما ذكرناه ، فمن
صدَّق أن صاحبها هو الدجَّال فمِن جهله أتي ، وقد لبَّس عليه شياطين الإنس والجن ،
حتى أثبت ما ليس من الشرع ، ونفى ما هو منه ، أضف إلى أن الخبر – أصلاً – قد يكون
مفبركاً ، فما اسم صاحب الصورة ؟ وما هو عنوانه ؟ ومن هم العلماء الذين قالوا إنه
الدجال ؟ وكل ما في الأمر صورة منشورة في جريدة .
وهذه الصورة – إن كانت حقيقية - لا يمكن أن يكون صاحبها هو الدجَّال ؛ وذلك لأسباب
، منها :
1. أن الدجَّال مربوط في جزيرة ، كما صحَّ ذلك في الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله
، من حديث تميم الداري رضي الله عنه .
2. وفي الحديث أنه عظيم الخلقة .
راجع نص الحديث الوارد في ذلك في جواب السؤال رقم (82643)
.
وراجع ما ذكرناه في جواب السؤال رقم (8806)
، حول صفات الدجال ، وحال فتنته .
ومن الصفات الواردة في شأن للدجال ، ما ثبت من حديث " ابن عمر " رضي الله عنهما ،
وفيه : ( أَعْوَرُ الْعَيْنِ كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ) .
وفي سنن أبي داود من حديث عبادة : ( مَطْمُوسُ الْعَيْنِ ، لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ ،
وَلَا حَجْرَاءَ ) .
وفي بعض الروايات أن العين الأخرى معيبة أيضاً .
قال النووي – رحمه الله - :
وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية ) فروي بالهمز
، وبغير همز ، فمن همز : معناه : ذهب ضوؤها ، ومن لم يهمز : معناه : ناتئة ، بارزة
، ثم إنه جاء هنا ( أعور العين اليمنى ) وجاء فى رواية أخرى ( أعور العين اليسرى )
وقد ذكرهما جميعاً مسلم فى آخر الكتاب ، وكلاهما صحيح ، قال القاضي عياض رحمه الله
: روينا هذا الحرف عن أكثر شيوخنا بغير همز ، وهو الذى صححه أكثرهم ، قال : وهو
الذى ذهب إليه الأخفش ، ومعناه ناتئة كنتوء حبة العنب من بين صواحبها ، قال : وضبطه
بعض شيوخنا بالهمز ، وأنكره بعضهم ، ولا وجه لإنكاره ، وقد وصف فى الحديث بأنه (
ممسوح العين ) وأنها ( ليست جحراء ، ولا ناتئة ) بل مطموسة ، وهذه صفة حبة العنب
إذا سال ماؤها ، وهذا يصحح رواية الهمز ، وأما ما جاء فى الأحاديث الأُخر ( جاحظ
العين ) و ( كأنها كوكب ) وفي رواية ( لها حدقة جاحظة كأنها نخاعة فى حائط ) فتصحح
رواية ترك الهمزة ، ولكن يُجمع بين الأحاديث ، وتصحح الروايات جميعاً ، بأن تكون
المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء ولا ناتئة : هي العوراء الطافئة بالهمز ، وهي
العين اليمنى ، كما جاء هنا ، وتكون الجاحظة ، والتي كأنها كوكب ، وكأنها نخاعة :
هي الطافية بغير همز ، وهي العين اليسرى ، كما جاء فى الرواية الأخرى ، وهذا جمع
بين الأحاديث والروايات في الطافية بالهمز ، وبتركه ، وأعور العين اليمنى ، واليسرى
؛ لأن كل واحدة منهما عوراء ؛ فإن الأعور من كل شيء : المعيب ، لا سيما ما يختص
بالعين ، وكلا عيني الدجال معيبة ، عوراء ، إحداهما بذهابها ، والأخرى بعيبها .
هذا آخر كلام القاضي ، وهو فى نهاية من الحسن ، والله أعلم .
" شرح مسلم " ( 2 / 235 ) .
وبما ذكرناه هنا ، وأحلنا عليه في أجوبة سابقة ، يتبين أن صاحب الصورة المذكورة في
السؤال – إن كانت حقيقية - : ليس هو الدجَّال ، ولم نتعرض لما يكذب ذلك مما أعطاه
الله تعالى للدجال من فتن ، يفتن بها الناس ، ومن ذلك : نهران يجريان ، استجابة
الجماد والحيوان له ، وغير ذلك مما لم نقرأ أن ذلك الشاب قد ادعى شيئاً منه .
وقد جاء في المقال ذِكر صفات وأحوال لذلك الشاب لا يُعرف في الشرع أنها صفات وأحوال
للمسيح الدجال ، كعدم احتراق يده إذا وضعها في النار ! وكأكله الزجاج والحصى !
وكشربه من ماء البحر ! وكون حارسه الشخصي قط أسود ! فها هم – كما قلنا – يثبتون
للدجال صفات ليست من الشرع ، وما نصَّ الشرع على أنها صفات له لم نجدها فيه .
وبكل حال :
فإننا نحذر المسلمين عموماً من الاغترار بكل ما يُنشر في وسائل الإعلام مما يتعلق
بدينهم ، واعتقادهم ، دون الرجوع إلى أهل العلم في ذلك ليحكموا عليه بما يعلمونه من
الأدلة الشرعية التي تعصمهم من الفتن ، ونحذرهم من الاغترار بتصديق ما يُنشر في
الإنترنت من صور لأناسٍ يُزعم أنهم مُسخوا ، أو صورة فرعون ، أو صورة جني على هيئته
الحقيقية ! أو أصوات أناس يزعم أنهم يعذبون في قبورهم ، وغير ذلك كثير ، مما اغتر
به كثير من العامَّة ، وأعانهم عليه – للأسف – بعض الخاصَّة .
وليعلم المسلمون أنه لا يستبعد وجود جهات خبيثة تريد إشغال المسلمين بمثل هذه
الترهات ، وتريد العبث بعقولهم ؛ لتجعل منهم مادة دسمة في السخرية في مواقعهم
ومنتدياتهم ، ونوصي الجميع بطلب العلم ، والحرص على البرهان الثابت في الأخبار ،
وعدم التسليم لكل ما يقال وينشر ، وليرجعوا في أمورهم وشئون دينهم إلى أهل العلم
الثقات ، ليرفعوا عنهم الجهل ، ويبينوا لهم حقيقة الأمر .
ونسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقّاً ويرزقنا اتباعه ، ويرينا الباطل باطلاً
ويرزقنا اجتنابه .
والله أعلم