الحمد لله.
أولاً :
اعلمي – أختنا السائلة – أنه من حق زوجة ابنك أن يكون لها مسكن مستقل ، يحتوي على ضرورات المسكن ، ويختلف الأمر سعة وضيقاً باختلاف قدرة الزوج ، وحال الزوجة ، وهذا من حقوق الزوجة التي يصح لها التنازل عنه لتسكن مع أهله ؛ فإن تنازلت عن ذلك ، أو شرط عليها أن يسكنها مع أبويه ، أو علمت ذلك من حال زوجها ، وقبلته : لم يكن لها أن تعود فتكلفه أن يستقل لها بسكناها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومَنْ شرط لها : أن يسكنها منزل أبيه ، فسكنت ، ثم طلبت سكنى منفردة ، وهو عاجز : لم يلزمه ما عجز عنه ، بل لو كان قادراً فليس لها عند مالك ، وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وغيره ، غير ما شرط لها " . "الاختيارات الفقهية" (541) .
ثانياً :
مما يجب عليك علمه – أختنا السائلة – أن زوجات أبنائك لا يجب عليهن خدمتكِ أنتِ وزوجكِ ، إلا أن يكون ذلك بطيب نفسٍ منهنَّ ، وليس من حق الزوج على زوجته خدمة أمِّه وأبيه ، ولا على مثل هذا تمَّ العقد الشرعي بينهما ، بل الواجب عليها خدمة زوجها ، والعناية بأولادها ، وأما تكليف الزوجات بالعناية بأهل الزوج ، والرعاية لهم : فهذا مما لا توجبه الشريعة على إحداهنَّ ، إلا أن تتبرع واحدة منهنَّ عن طيب نفسٍ منها ؛ احتساباً للأجر الأخروي ، وإرضاء لزوجها ، فالبحث عما يُرضي الزوج من الأعمال المباحة وفعله من قبَل الزوجة : مما يدل على رجاحة عقلها ، ومتانة دينها ، ومن لا تفعل : فلا حرج عليها .
وانظري في ذلك : جواب السؤال رقم : (120282) .
ثالثاً :
إذا كانت خدمتك ليست واجبة على زوجات أبنائك بأصل الشرع ، فقد قال الله تعالى : ( وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة/237 ، وقال تعالى : ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة /195 . وقد جرت عادة أهل المروءات بمثل ذلك ، لا سيما مع وجود القرابة والرحم بينكم ، وفراغها من الشغل بأولادها ، أو العمل خارج البيت .
لكن يجب على ولديك أن يساعدا زوجتيهما على ذلك ، فإن تثاقلت إحداهما ساعدتها الأخرى ، وليحاول الأبناء المساعدة في ذلك ، فإن كان عندهما قدرة على استئجار خادمة لكما ، وكان ذلك متاحا عندكم : فعليهما أن يعيناكم بتلك الخادمة ، وإلا فبإمكانهما أن يعينا زوجتيهما على تلك الخدمة بما يقدران عليه ، والكلمة الطيبة صدقة .
رابعاً :
ما حصل منك من تغير ناحية هذه المرأة وأهلها أمر طبيعي ؛ فقد جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها ، وبغض من أساء إليها . لكن أهل الفضل لا يسترسلون وراء ذلك ، بل يجاهدون أنفسهم على التخلص من تلك الآثار ، والعفو والصفح عمن أساء . قال الله تعالى : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ) الشورى/40. فإن ارتقى المرء إلى منزلة الإحسان إلى من أساء إليه ، فذلك الفضل العظيم من الله جل جلاله . قال تعالى :
( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) فصلت /34-36 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك ، فقال: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، أي : فإذا أساء إليك مسيء من الخلق ، خصوصًا من له حق كبير عليك ، كالأقارب والأصحاب ، ونحوهم ، إساءة بالقول أو بالفعل ، فقابله بالإحسان إليه ، فإن قطعك فَصِلْهُ، وإن ظلمك ، فاعف عنه ، وإن تكلم فيك، غائبًا أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين . وإن هجرك وترك خطابك ، فَطيِّبْ له الكلام ، وابذل له السلام ، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان حصل فائدة عظيمة.
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ أي: كأنه قريب شفيق.
وَمَا يُلَقَّاهَا أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا نفوسهم على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله ، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته ، وعدم العفو عنه ، فكيف بالإحسان ؟!
فإذا صبر الإنسان نفسَه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله لا يفيده شيئًا ، ولا يزيد العداوة إلا شدة ، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره ، بل من تواضع للّه رفعه ، هان عليه الأمر، وفعل ذلك متلذذًا مستحليًا له.
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ لكونها من خصال خواص الخلق ، التي ينال بها العبد الرفعة في الدنيا والآخرة ، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق . " انتهى .
"تفسير السعدي" (749) .
وفي صحيح مسلم (2588) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ) .
نسأل الله أن يصلح ذات بينكم ، وأن يهدينا سواء السبيل .
والله أعلم