الحمد لله.
إذا مات العبد ، وقد فعل أفعالا مخالفة للشرع ، فاقتدى به فيها غيره من ولد أو صاحب أو جار أو غيرهم : فإن عليه وزر ما فعل ، ووزر من فعل فعله مقتديا به فيه ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ؛ لما رواه مسلم (1017) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ . وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا ، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ) .
قال ابن علان :
"(ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة) : معصية وإن قلَّت ، بأن فعلها فاقتِدي به فيها ، أو دعا إليها ، أو أعان عليها (كان عليه وزرها) أي : وزر عملها (ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء)" انتهى .
"دليل الفالحين" (2/136).
وقال الشيخ ابن عثيمين :
"فيه التحذير من السنن السيئة ، وأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، حتى لو كانت في أول الأمر سهلة ثم توسعت فإن عليه وزر هذا التوسع ، مثل لو أن أحدا من الناس رخص لأحد في شيء من المباح الذي يكون ذريعة واضحة إلى المحرم وقريبا ، فإنه إذا توسع الأمر بسبب ما أفتى به الناس فإن عليه الوزر ، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " انتهى .
"شرح رياض الصالحين" (ص 199) .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ، لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) رواه البخاري (3336) ومسلم (1677) .
قال النووي :
"وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ : أَنَّ كُلّ مَنْ اِبْتَدَعَ شَيْئًا مِنْ الشَّرّ كَانَ عَلَيْهِ مِثْل وِزْر كُلّ مَنْ اِقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَمَل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة" انتهى .
فالأب الذي أساء تربية أولاده ، وكان قدوة سيئة لهم ، واقتدوا به في سلوكياته في المنحرفة ، يتحمل وزر أولاده ، لأنه هو السبب في انحرافهم ، وعلى الأولاد أيضاً وزر أفعالهم كاملاً ، لا ينتقص منها شيء .
وقد كان الواجب على هذا الأب أن يحسن تربية أولاده ، ويقوم بالمسؤولية التي أوجبها الله عليه خير قيام .
وقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (7138) ومسلم (1829) .
قال الشيخ ابن عثيمين :
" الرجل راع في أهل بيته ، في زوجته ، في ابنه ، في بنته ، في أخته ، في عمته ، في خالته ، كل من في بيته ، هو راع في أهل بيته ، ومسؤول عن رعيته ، يجب عليه أن يرعاهم أحسن رعاية ، لأنه مسؤول عنهم " انتهى .
"شرح رياض الصالحين" (ص 337) .
والله أعلم .