الحمد لله.
حرم الله تعالى الخمر وأمر باجتنابها ، وبَيَّن أنها رجس من عمل الشيطان فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90، 91 .
وبَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الخمر ملعون بائعها وشاربها وحاملها ، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود (3674) وابن ماجه (3380) عن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ ، وَشَارِبَهَا ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَمُبْتَاعَهَا ، وَعَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
ورواه الترمذي (1295) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً : عَاصِرَهَا ، وَمُعْتَصِرَهَا ، وَشَارِبَهَا ، وَحَامِلَهَا ، وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ ، وَسَاقِيَهَا ، وَبَائِعَهَا ، وَآكِلَ ثَمَنِهَا ، وَالْمُشْتَرِي لَهَا ، وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ) .
والخمر : كل ما غطَّى العقل مما يحدث شيئاً من اللذة والنشوة . فيدخل في ذلك كل مسكر جامد وسائل .
ولا شك أن كثيرا من أنواع المخدرات أعظم ضررا وفتكا وخطرا من الخمر ، ولهذا لزم التشديد في شأن مروجيها ومهربيها ؛ لما ينبني على عملهم من الشر والفساد .
وقد صدر قرار من هيئة كبار العلماء بشأن ترويج المخدرات ، وهذا نصه :
" رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والعشرين المنعقدة بمدينة الرياض بتاريخ 9 6 1407هـ وحتى 20 6 1407هـ وقد اطلع على برقية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله - ذات الرقم س 8033 وتاريخ 11 6 1407هـ والتي جاء فيها (نظراً لما للمخدرات من آثار سيئة ، وحيث لاحظنا كثرة انتشارها في الآونة الأخيرة ، ولأن المصلحة العامة تقتضي إيجاد عقوبة رادعة لمن يقوم بنشرها وإشاعتها ، سواء عن طريق التهريب أو الترويج ، نرغب إليكم عرض الموضوع على مجلس هيئة كبار العلماء بصفة عاجلة وموافاتنا بما يتقرر) .
وقد درس المجلس الموضوع وناقشة من جميع جوانبه في أكثر من جلسة ، وبعد المناقشة والتداول في الرأي واستعراض نتائج انتشار هذا الوباء الخبيث القتال تهريباً واتجاراً وترويجاً واستعمالاً ، المتمثلة في الآثار السيئة على نفوس متعاطيها ، وحملها إياهم على ارتكاب جرائم الفتك ، وحوادث السيارات ، والجري وراء أوهام تؤدي إلى ذلك ، وما تسببه من إيجاد طبقة من المجرمين شأنهم العدوان وطبيعتهم الشراسة وانتهاك الحرمات ، وتجاوز الأنظمة وإشاعة الفوضى لما تؤدي إليه بمتعاطيها من حالة من المرح والتهيج ، واعتقاد أنه قادر على كل شيء ، فضلاً عن اتجاهه إلى اختراع أفكار وهمية تحمله على ارتكاب الجريمة ، كما أن لها آثاراً ضارة بالصحة العامة ، وقد تؤدي إلى الخلل في العقل والجنون ، نسأل الله العافية والسلامة ، لهذا كله ، فإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي :
أولاً : بالنسبة للمهرب للمخدرات فإن عقوبته القتل ، لما يسببه تهريب المخدرات وإدخالها البلاد من فساد عظيم لا يقتصر على المهرب نفسه ، وأضرار جسيمة وأخطار بليغة على الأمة بمجموعها . ويلحق بالمهرب الشخص الذي يستورد أو يتلقى المخدرات من الخارج فيموّن بها المروجين .
ثانياً : أما بالنسبة لمروج المخدرات فإن ما أصدره المجلس بشأنه في قراره رقم (85) وتاريخ 11/ 11 /1401هـ كافٍ في الموضوع ونصه كما يلي : ( الثاني : من يروجها سواء كان ذلك بطريق التصنيع أو الاستيراد بيعا وشراء أو إهداء ونحو ذلك من ضروب إشاعتها ونشرها ، فإن كان ذلك للمرة الأولى فيعزر تعزيراً بليغاً بالحبس أو الجلد أو الغرامة المالية أو بهما جميعا حسبما يقتضيه النظر القضائي ، وإن تكرر منه ذلك فيعزز بما يقطع شره عن المجتمع ولو كان ذلك بالقتل ، لأنه بفعله هذا يعتبر من المفسدين في الأرض ، وممن تأصل الإجرام في نفوسهم ، وقد قرر المحققون من أهل العلم أن القتل ضَرْبٌ [أي : نوع] من التَعزير ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قُتِل ، مثل قتل المفرق لجماعة المسلمين الداعي للبدع في الدين " . إلى أن قال " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل رجل تعمد الكذب عليه ، وسأله ابن الديلمي عن من لم ينته عن شرب الخمر فقال : من لم ينته عنها فاقتلوه " . وفي موضع آخر قال رحمه الله في تعليل القتل تعزيراً ما نصه : " وهذا لأن المفسد كالصائل ، وإذا لم يندفع الصائل إلا بالقتل قتل " انتهى .
ثالثاً : يرى المجلس أنه لابد قبل إيقاع أي من تلك العقوبات المشار إليها في فقرتي (أولاً) و (ثانياً) من هذا القرار استكمال الإجراءات الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى ، براءةً للذمة ، واحتياطاً للأنفس .
رابعاً : لابد من إعلان هذه العقوبات عن طريق وسائل الإعلان قبل تنفيذها إعذاراً وإنذاراً . هذا وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
هيئة كبار العلماء " انتهى نقلاً : "فتاوى إسلامية" (3/379) .
والله أعلم .