الحمد لله.
أولاً :
يلزم الزوجة السكن والانتقال مع زوجها إلى حيث يريد ، ما لم يكن في ذلك ضرر معتبر عليها ، أو كانت قد اشترطت عند زواجها ألا تسكن في مكان معين أو لا ينقلها من بلدها ، فيلزم الوفاء بالشرط ؛ لما روى البخاري ( 2721 ) ومسلم ( 1418 ) أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) .
ولقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا ، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (1352) وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وجملة ذلك : أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة , أحدها : ما يلزم الوفاء به , وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته , مثل : أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها , أو لا يتزوج عليها , فهذا يلزمه الوفاء لها به , فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح . يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص , ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح , وعمر بن عبد العزيز , وجابر بن زيد , وطاوس , والأوزاعي , وإسحاق " انتهى من "المغني" (9/483) .
فإذا كنت عند الخطبة قد صرحت بأنك لن تعيشي في قرية زوجك وقد قَبِلَ ذلك ، فليس له أن يجبرك على الانتقال إليها .
ثانياً :
ينبغي أن يتعاون الزوجان في اختيار المكان المناسب لهما ولأولادهما ، وأن ينظرا في المصالح والمفاسد ، وأن يتطاوعا في ذلك ؛ لما في ذلك من سعادتهما وراحة بالهما .
وينبغي أن تقدري ما ذكرت من اشتياق زوجك لأهله ، فربما كان كلامه مجرد خواطر يبعث عليها هذا الشوق ، فلا ينبغي أن تجادليه في هذه المسألة حتى يعزم فعلا على الانتقال ويتهيأ لذلك .
ولاشك أن الزوج يحب أن تكون زوجته مستعدة للبقاء معه في أي مكان يختاره ، وقد يكون نسي كلامك عند الخطبة ، أو لم يره ملزما له ، وقد يكون جدالك معه سبباً لتمسكه برأيه ، فاحرصي على تجنب الخلاف حول هذه المسألة ؛ لأنه لا جدوى من ذلك الآن ، وقد تتغير الأمور في المستقبل ، وينصرف زوجك عن رأيه من تلقاء نفسه .
ثالثاً :
لا شك أن السكن في مناطق الأمن ، وبين أهل السنة مرجّح على السكن في أماكن الخوف والقلق أو بين أهل البدعة ، لما في ذلك من آثار على الإنسان ودعوته وعمله ثم على أهله وأولاده في مدارسهم وعلاقاتهم ومعايشهم .
وقد أوجب بعض أهل العلم الهجرة من المكان الذي توجد فيه البدعة ويُسب فيه السلف .
قال الإمام أبو بكر ابن العربي رحمه الله في أنواع الهجرة : " الثاني : الخروج من أرض البدعة ، قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يُسب فيها السلف . وهذا صحيح ، فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فَزُلْ عنه ، قال الله تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام /68" انتهى من "أحكام القرآن لابن العربي" (1/612) ونقله القرطبي في تفسيره (5/330) .
وإذا تعارضت مصلحة القرب من الأهل ، مع مصلحة الأمن وإظهار الدين وسلامة الأبناء ، اختار الإنسان ما فيه المصلحة الكبرى ؛ لأن قاعدة الشريعة : جلب المصالح وتكميلها ، ودرء المفاسد وتقليلها .
ونحمد الله أنكما تنطلقان معا لتحقيق ما تريانه من الخير والمصلحة ، ولهذا ينبغي أن تحذرا كيد الشيطان ومكره وحرصه على إيجاد الخلاف والشحناء .
نسأل الله تعالى أن يوفقكما لكل خير وطاعة وبر .
والله أعلم .