الحمد لله.
معرفة الله هي من أعظم المقاصد التي بعث من أجلها الرسل .
ففي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له: (إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ ... إلخ) رواه البخاري (1458) ومسلم (19) .
قال ابن القيم رحمه الله في "الصواعق المرسلة" :
"فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم : معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان .
أحدهما : تعريف الطريق الموصلة إليه وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه
الثاني : تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم الذي لا ينفد ، وقرة العين التي لا تنقطع ، وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول ، ومبنيان عليه فأعرف الناس بالله أتبعهم للطريق الموصل إليه ، وأعرفهم بحال السالكين عند القدوم عليه" انتهى .
فمعرفة الله تعالى مرتبة عظيمة والمقصود منها : توحيد الله تعالى ، وعبادته وحده لا شريك له ، ومعرفته بأسمائه الحسنى ، وصفاته العلى .
وعلى هذا ، فلقب : العارف بالله ، لا بأس به من حيث الأصل ، بل هو كلمة مدح لمن قيلت في حقه ، ولهذا استعمل العلماء هذا اللقب ، كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وعلمائنا المعاصرون .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"مما يدخل في معاني القرب - وليس في الطوائف من ينكره - قرب المعروف والمعبود إلى قلوب العارفين العابدين ؛ فإن كل مَن أحب شيئا فإنه لا بد أن يعرفه ويقرب من قلبه ، والذي يبغضه يبعد من قلبه" انتهى .
"مجموع الفتاوى" (5/465) .
وقال رحمه الله :
"وكذلك سائر شيوخ المسلمين من المتقدمين والمتأخرين الذين لهم لسان صدق في الأمة ، كما ذكر الشيخ يحيى بن يوسف الصرصري ، ونظمه في قصائده ، عن الشيخ على بن إدريس شيخه ، أنه سأل قطب العارفين ، أبا محمد ، عبد القادر بن عبد الله الجيلى ، فقال : يا سيدي
هل كان لله ولي على غير اعتقاد أحمد بن حنبل ؟ فقال : ما كان ولا يكون" انتهى .
"الاستقامة" (ص/85) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "ولهذا يقول بعض العارفين في نظم له :
إذا كان شكري نعمة الله نعمة علي *** له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله *** وإن طالت الأيام واتصل العمر " انتهى.
"لقاءات الباب المفتوح" (رقم/106) .
وسئل الشيخ صالح آل الشيخ : هل يصح إطلاق لفظ العارف أو قاضي القضاة على العَالِمْ ؟
فأجاب :
"أما لفظ العارف فلا بأس به ، استعمله أئمتنا في بعض كلامهم ، قال بعض العارفين ، قال فلان العارف بالله ، على قلة ، والأحسن أن يترك" انتهى .
"إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل" .
فلا حرج على من دعا لنفسه أو لأخيه المسلم أن يفتح الله عليه فتوح العارفين ، ولا بأس أن يسأل الله تعالى أن يرزقه تلك الدرجات ، وأن يفتح على قلبه من أبواب العلم والتقى ما يفتح به على قلوب أوليائه المتقين ، قال الله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) .
ولكن يجب التنبه إلى أن لقب "العارف بالله" صار الآن يطلق على بعض مشايخ الطرق ، المنحرفين عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولهذا نرى أن الأفضل العدول عن هذا اللفظ ، لأنه صار كأنه شعار من شعارات أهل البدع .
ويكفي المسلم أن يقول : رب زدني علما ، أو يقول : اللهم علمني ما ينفعني .
والله أعلم .