الحمد لله.
أولاً:
لا شك أن من الخير الذي أمر الله به وحث عليه : ما يقدمه الإنسان من صدقات يريد بها الأجر والثواب ، كما قال تعالى : ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [ النساء :114]
وقد بين الله سبحانه في كتابه فضل تلك النفقات والصدقات فقال : ( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ ِ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمّ َ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة/ 261 ، 262 .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ - وَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَل ) .
رواه البخاري ( 1344 ) ومسلم ( 1014 ) .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( قَالَ اللَّهُ : أَنْفِقْ يَا ابْنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ) .
رواه البخاري ( 5073 ) ومسلم ( 993 ) .
ثانياً:
الأصل أن تكون العطيات ، والصدقات ، وما شابهها : لأهل السنَّة , وأن يتحرى المسلم في ذلك أهل الاستقامة والتقوى منهم ، وأن لا يمكِّن من ماله إلا أهل الدين والورع .
عنْ أَبِى سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيّ ) .
رواه الترمذي ( 2395 ) وأبو داود ( 4832 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ثالثاً:
الأصل أن يقوم صاحب المال بتوزيع صدقته على المستحقين بنفسه ، وذلك لأنها عبادة متعلقة بماله ، وقيامه بذلك بنفسه أدعى لشعوره بالعبادة ، وانتفاعه بأثرها في قلبه ، ثم أنه أوثق له ، وأبرأ لذمته .
لكن إن تعذر عليه ذلك ، أو كانت هناك مصلحة راجحة : فله أن يوكل غيره في توزيعها، سواء كان وكليه فردا أو جمعية ، أو هيئة خيرية ، بشرط أن يكون وكيله مسلما ، ثقة ، عالما بمصارف الزكاة .
وينبغي النظر إلى تحري هذا الوكيل ، سواء كان شخصا أو جمعية ، للسنة ، وتجنبه للبدعة ، لئلا يستعين بهذه الأموال على نشر بدعته ، أو الدعوة إليها .
رابعا :
إذا كانت هناك مصلحة راجحة في دفع الهبات والصدقات لبعض الأشخاص الذين يكون عندهم شيء من البدع ، كالصوفية ، ولم يكن هناك من أهل السنة من يقوم بهذا الدور ، ويحقق هذه المصلحة : فلا بأس بدفعها إليهم ، إذا تحققنا عدالتهم في شأن الأموال ، وأنهم لن يستعينوا بهذه الأموال على نشر بدعتهم . قال الخطيب الشربيني رحمه الله : "المراد بالعادل العادل في الزكاة وإن كان جائرا في غيرها" . "مغني المحتاج" (1/414) .
وفي صحيح البخاري عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مَحْصُورٌ، فَقَالَ إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ وَنَتَحَرَّجُ فَقَالَ الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ.
والشاهد منه أنه عند تحقق إحسان الناس ، فأحسن معهم ، واجتنب ما عنده من الإساءة ، فلا تشاركه فيها ، ولا تعنه عليها .
والله أعلم .