الحمد لله.
إن مؤازرة المسلم - أو المسلمة - حديث العهد بالإسلام ، وتهنئته على الهداية ، وإظهار الفرح والبشر والسرور بذلك ، ووفود الناس عليه بالتهنئة والدعاء ، وإهداءه الهدايا ، كل ذلك من أمارات الأخوة الإسلامية ، وعلامات المحبة في الله .
وهو مما يقوي قلبه ، ويستشعر به حب الناس له ، والتفافهم حوله ، ويؤنسه في عهده الجديد ويذهب وحشته .
ولا بأس أن يجتمع إخوانه لذلك ، وأن يهدوا له الهدايا ، ويحسنوا الثناء عليه ، ويكثروا من الدعاء له ، فهي نعمة ، وأي نعمة ، تستحق الشكر لله ، وتهنئة من وُفِّق إليها .
وفي حديث كعب بن مالك رضي الله عنه لما كان من أمره ما كان في التخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في الغزو ، وحصل لهم من الغم والكرب العظيم ما حصل ، ثم تاب الله عليه وعلى صاحبيه . قال :
" فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ!! قَالَ : فَخَرَرْتُ سَاجِدًا ، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ ، وَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ ، فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ ، وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ ، وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا ، وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ .
قَالَ كَعْبٌ : حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ حَوْلَهُ النَّاسُ ، فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ ، وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ .
قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ : أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ !! ".
متفق عليه .
فتأمل ما وقع في هذه القصة العظيمة ، من فرح الصحابة رضوان الله عليهم بتوبة الله على كعب بن مالك وصاحبيه ، وإسراع من أسرع منهم إلى إبلاغه بالبشرى ، وتهنئته على ذلك ، وكيف أنه جعل ذلك جميلا ، وأحسانا عظيما ، لا ينساه لمن سارع إليه ، وكيف أن الناس تلقوه أفواجا ، يهنئونه بذلك ، ولا ريب أن التوبة من الكفر ، والدخول في الإسلام هو من أجل النعم التي يهنئ الرجل أخاه عليها .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذكره لفوائد هذا الحديث :
" ... وتهنئة من تجددت له نعمة " . "فتح الباري" (8/124) .
وقال ابن مفلح رحمه الله :
" فَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِنِعَمٍ دِينِيَّةٍ تَجَدَّدَتْ : فَتُسْتَحَبُّ ، لِقِصَّةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَ إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَنِيئًا مَرِيئًا " انتهى . "الآداب الشرعية" (3/380) .
والله أعلم .