الحمد لله.
ذهب الشافعية إلى أن الرجل لو نكح امرأة بألف ، على أن لأبيها ألفاً ، أو أن يعطيه الزوج ألفاً ، إلى فساد الصداق في الصورتين ؛ لأنه جعل بعض ما التزمه في مقابل البضع لغير الزوجة ، ووجوب مهر المثل فيهما لفساد المسمى .
وقال الحنابلة : يجوز لأبي المرأة الذي يصح تملكه دون سواه أن يشترط شيئاً من صداق ابنته لنفسه ، فإذا تزوجها على ألف لها وألف لأبيها صح الاتفاق ، وكان الكل مهرها ، ولا يملكه الأب إلا بالقبض مع النية لتملكه ، كسائر مالها ، وشرطه ألا يجحف بمال البنت .
وإن اشترط الصداق أو بعضه غير الأب كالجد والأخ والأب الذي لا يصح تملكه ، صحت التسمية ولغا الشرط ، والكل لها ؛ لأن جميع ما اشترطه عوض في تزويجها ، فيكون صداقاً لها .
راجع : "الأم" (5/78) ، "أسنى المطالب" (3/205) ، "الإنصاف" (8/248) ، "الفقه الإسلامي وأدلته" (9 / 263) .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" يَجُوزُ لِأَبِي الْمَرْأَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِ ابْنَتِهِ لِنَفْسِهِ . وَبِهَذَا قَالَ إسْحَاقُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ , أَنَّهُ لَمَّا زَوَّجَ ابْنَتَهُ , اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ عَشَرَةَ آلَافٍ , فَجَعَلَهَا فِي الْحَجِّ وَالْمَسَاكِينِ , ثُمَّ قَالَ لِلزَّوْجِ : جَهِّزْ امْرَأَتَك . وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , وَقَالَ عَطَاءٌ , وَطَاوُسٌ , وَعِكْرِمَةُ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَالثَّوْرِيُّ , وَأَبُو عُبَيْدٍ : يَكُونُ كُلُّ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : إذَا فَعَلَ ذَلِكَ , فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ , وَتَفْسُدُ التَّسْمِيَةُ , لِأَنَّهُ نَقَصَ مِنْ صَدَاقِهَا لِأَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ الْفَاسِدِ , لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ إلَّا لِلزَّوْجَةِ , لِأَنَّهُ عِوَضُ بُضْعِهَا , فَيَبْقَى مَجْهُولًا , لِأَنَّنَا نَحْتَاجُ أَنَّ نَضُمَّ إلَى الْمَهْرِ مَا نَقَصَ مِنْهُ لِأَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ , وَذَلِكَ مَجْهُولٌ فَيَفْسُدُ .
فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ غَيْرُ الْأَبِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ , كَالْجَدِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ , فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ . نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَجَمِيعُ الْمُسَمَّى لَهَا . ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ , وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ . وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ . وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي , فِي " الْمُجَرَّدِ " انتهى مختصرا .
"المغني" (7/171-172)
فإذا تبين أن العلماء إنما اختلفوا فيما يشترطه الأب لنفسه ، مع ولايته على ابنته ، وتعلق أمر النكاح بيده ، وأن القول الراجح أن الأب ليس له أن يشترط لنفسه شيئا من المهر ، وأن ما شرطه غير الأب من الأولياء فهو باطل : تبين أن ما يشترطه غير الأولياء ، من شيوخ القبائل والعشائر ونحوهم ، من الأموال ، مقابل إتمام الزواج : أشد وأظهر بطلانا ، وأنه من أكل أموال الناس الباطل ، وهو من المكوس الظالمة التي يفرضها الجبارون والظلمة على الناس في أموالهم .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"عندنا عادة عندما يتزوج الشخص يشترط عليه شرط أن يدفع مبلغاً من النقود مثلاً عشرين ألف شلن أو أكثر غير المهر الذي يشترط عليه عند العقد ، وهذا المبلغ يأخذه والد الزوجة ومن يقوم بالعقد عنده دون أن تعطى الزوجة منه شيئاً ، فهل هذا جائز أم لا ؟ " .
فأجاب رحمه الله تعالى :
" جوابنا على هذا السؤال هو أن المهر أو الصداق أو الجهاز ، أو ما أشبه ذلك من العبارات الدالة على العوض الذي تعطاه المرأة في مقابل نكاحها : هذا مما يكون ملكاً للزوجة ؛ لقوله تعالى ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) ، ولا يحل لأحد أن يشترط لنفسه منه شيئاً لا الأب ولا غيره ، ولكن إذا تم العقد وأراد الزوج أن يكرم أحداً من أقارب الزوجة بهدية فلا حرج . وكذلك أيضاً إذا تم العقد واستلمت المرأة مهرها وأراد أبوها أن يتملك منه شيئاً فلا حرج عليه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أنت ومالك لأبيك ) .
وأما جعل هذا شرطاً عند العقد بحيث يعرف أن لأبيها أو لأخيها أو من يتولى عقدها شيئاً مما جعل لها فإن ذلك حرام " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (10/236-237)
وقال أيضا :
" لا يحل للرجل سواء كان أباً أو غير أب أن يشترط لنفسه شيئاً من المهر لا قليلاً ولا كثيراً فالمهر كله للزوجة ، قال الله تعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) فأضاف الصداق إلى النساء وجعل التصرف فيه إليهن .
فإذا كان الصداق للمرأة وهي صاحبة التصرف فيه فإنه لا يحل للرجل أعني لوليها سواء كان أباً أم غير أب أن يشترط منه شيئاً لنفسه ، لكن إذا تم العقد وملكت الزوجة الصداق فلأبيها أن يتملك منه ما شاء بشروط جواز التملك التي ذكرها أهل العلم ، ومنها : أن لا يلحقها ضرر بذلك .
وأما غير الأب فليس له أن يتملك من مهرها شيئاً إلا ما رضيت به بشرط أن تكون رشيدة ، أي بالغة عاقلة تحسن التصرف في مالها وتأذن له بأخذ شيء منه .
وأقول ذلك حتى ينتهي هؤلاء الجشعون الطامعون عن أخذ شيء من مهور النساء ، وفي ظني والعلم عند الله : أنه إذا علم الولي أنه لا حق له في المهر ، وأنه إذا أخذ منه قرشاً واحداً على غير الوجه الشرعي فهو آثم ، وأكله إياه حرام - في علمي أنه إذا كان الأمر كذلك ، سهل على الولي أن يجيب الخاطب إذا كان كفؤا ، ورضيت المرأة .
وأما ما يقع لبعض هؤلاء الأولياء أهل الجشع والطمع الذين نزعت من قلوبهم الرحمة والشفقة من اشتراطهم جزءاً كبيراً من المهر لأنفسهم ، فإن ذلك حرام عليهم ولا يحل لهم ، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن ييسر حلاً لهذه المشكلة المعضلة " انتهى باختصار .
فتاوى نور على الدرب (10/226)
راجع جواب السؤال رقم (2491) .
والله تعالى أعلم .