الحمد لله.
كانت الخمر مباحة في أول الإسلام ، ثم حرمها الله على المؤمنين إذا قاموا إلى الصلاة ، ثم حرمها على كل حال ، وفي جميع الأوقات ، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : "اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً" . فَنَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) الْآيَةَ ، قَالَ : فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ . قَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً . فَنَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) ، فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُنَادِي : أَلَا لَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ . فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا " رواه أبو داود (3670) وصححه الألباني في صحيح أبو داود .
فقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) منسوخ بقوله سبحانه :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) المائدة/90 ، 91 .
انظر : "تفسير الطبري" (4/332) .
قال السعدي رحمه الله :
" وهذه الآية الكريمة منسوخة بتحريم الخمر مطلقا ، فإن الخمر - في أول الأمر- كان غير محرم ، ثم إن الله تعالى عَرَّض لعباده بتحريمه بقوله : (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) .
ثم إنه تعالى نهاهم عن الخمر عند حضور الصلاة كما في هذه الآية ، ثم إنه تعالى حَرَّمه على الإطلاق في جميع الأوقات في قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) الآية" انتهى .
"تفسير السعدي" (ص/ 179).
والخمر أم الخبائث ، ومتناولها متوعد بالعقوبة البليغة ؛ فعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ لَمْ يَقْبَلْ اللَّهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبْ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ . قِيلَ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، وَمَا نَهْرُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : نَهْرٌ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ) رواه الترمذي (1862) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
وحكم المخدرات حكم الخمر ، وقد حرم الله على عباده الخمر ، قليلها وكثيرها .
روى أبو داود (3681) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2375) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"معنى قوله صلى الله عليه وسلم (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) : أن الشيء إذا كان لا يسكر إلا الكثير منه فإن القليل الذي لا يسكر منه يكون حراماً ، مثل لو فرضنا أن هذا الشراب إن شربت منه عشرة قارورات سكرت ، وإن شربت قارورة لم تسكر ، فإن هذه القارورة وإن لم تسكرك تكون حراماً ، هذا معنى (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)" انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (122/17) .
وقال المناوي رحمه الله :
"فالقطرة من المسكر حرام ، وإن انتفى تأثيرها" انتهى .
"فيض القدير" (3/82) .
ولا شك أن جميع المخدرات خمر ، وحرام ، كالحشيش والأفيون والكوكايين وغيرها ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (66227) .
والحاصل :
أنه لا يجوز للمسلم أن يشرب الخمر أو يتناول شيئاً من المخدرات مهما كان قليلاً لا يصل إلى حد الإسكار .
ومن جملة عقاب من فعل ذلك : أن الله تعالى لا يقبل له صلاة أربعين يوماً عقوبة له على هذه المعصية القبيحة الكبيرة ، فكيف يمكن لمسلم بعد ذلك أن يتناول الخمر أو المخدرات ثم يقوم ليقف بين يدي الله تعالى ، ويدعى أنه واعٍ وليس سكران ، وقد علم أن الله لن يقبل منه هذه الصلاة ، حتى يتوب من شرب الخمر .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم