نجبر في المدرسة على أداء صلاة الجمعة وقد الغداء في وقت الراحة وهو الوقت الذي يسبق وقت الصلاة بساعة أو أكثر . وهناك الكثير من التناظر بين المسلمين حول مدى صحة هذا الأمر من عدمه . وهذا الأمر من الأمور التي تؤثر على العديد من المسلمين في مدرستي وفي العديد من المدارس الأخرى في مدينتي حيث إن لي أصدقاء وإخوة ملتحقون بمدارس أخرى في نفس المدينة ويواجهون نفس المشكلة . أرجو أن تزودوا إجابتكم بحديث أو آية من القرآن الكريم. جزاكم الله خيرا.
الحمد لله.
ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أن الجمعة لا تصلى إلا بعد زوال الشمس ، وهو أول وقت صلاة الظهر .
انظر : "الأم" (1/223) ، "المجموع" (4/377-381) ، "الموسوعة الفقهية" (27/197-198).
واحتجوا بما رواه مسلم (860) عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ : (كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ) .
وبما رواه البخاري (904) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ) .
وذهب الحنابلة إلى أنها تصح قبل زوال الشمس ، واحتجوا ببعض الأحاديث والآثار عن السلف التي تدل بظاهرها على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال .
روى مسلم (858) عَنْ أبي جَعْفَرٍ الباقر أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ : مَتَى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ؟ قَالَ : (كَانَ يُصَلِّي ثُمَّ نَذْهَبُ إِلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ) .
وهذا يدل على أنه صلاها قبل الزوال .
وروى البخاري (939) ومسلم (859) عَنْ سَهْلٍ بن سعد رضي الله عنه قَالَ : (مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) .
قال الشوكاني رحمه الله :
"فيه دليل لمن قال بجواز صلاة الجمعة قبل الزوال ، وإلى ذلك ذهب أحمد بن حنبل .
ووجه الاستدلال به : أن الغداء والقيلولة محلهما قبل الزوال . وحكوا عن ابن قتيبة أنه قال : "لا يسمى غداء ولا قائلة بعد الزوال" .
وقد أغرب ابن العربي فنقل الإجماع على أنها لا تجب حتى تزول الشمس إلا ما نقل عن أحمد ، وهو مردود ؛ فإنه قد نقل ابن قدامة وغيره عن جماعة من السلف مثل قول أحمد" انتهى .
"نيل الأوطار" (3/319) .
وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" (5140) عن بلال العبسي (أن عمارا صلى بالناس الجمعة والناس فريقان ، بعضهم يقول : زالت الشمس ، وبعضهم يقول لم تزل) .
صححه الألباني في "الأجوبة النافعة" (ص24) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
هل تجوز صلاة الجمعة قبل الزوال بساعة - لضرورة دخول العمل في فرنسا - مع العلم أننا إذا لم نصلها قبل الدخول إلى العمل وذلك قبل الزوال بساعة لم نصل الجمعة ، فهل للضرورة إباحة ؟
فأجابوا :
"في تحديد أول وقت صلاة الجمعة خلاف بين العلماء ، فذهب أكثر الفقهاء إلى أن أول وقتها هو أول وقت الظهر وهو زوال الشمس ، فلا تجوز صلاتها قبل الزوال بكثير ولا قليل ، ولا تجزئ ؛ لقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه : (كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ، ثم نرجع نتبع الفيء) رواه البخاري ومسلم . ولقول أنس رضي الله عنه :
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس) رواه البخاري . وقال جماعة : لا يجوز قبل السادسة أو الخامسة . [أي : قبل وقت صلاة الظهر بنحو ساعة أو ساعتين] .
وذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أن أول وقتها هو أول وقت صلاة العيد ، أما الزوال فهو أول وقت وجوب السعي إليها ، واستدلوا لجواز صلاتها قبل الزوال بقول جابر رضي الله عنه : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي - يعني الجمعة - ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس) رواه مسلم . ولقول سلمة بن الأكوع رضي الله عنه : (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان فيء) .
رواه أبو داود . ويجمع بين الأحاديث : بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليها بعد الزوال أكثر الأحيان ، ويصليها قبل الزوال قريبا منه أحيانا .
وعلى هذا فالأولى أن تصلى بعد الزوال رعاية للأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وخروجا من الخلاف ، وهذا مما يدل على أن المسألة اجتهادية ، وأن فيها سعة ، فمن صلى قبل الزوال قريبا منه فصلاته صحيحة إن شاء الله ، ولا سيما مع العذر ، كالعذر الذي ذكره السائل " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/216-217) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
هل تجوز صلاة الجمعة قبل زوال الشمس ؟
فأجاب : "تجوز صلاة الجمعة قبل زوال الشمس ، ولكن الأفضل بعد الزوال خروجا من خلاف العلماء ؛ لأن أكثر العلماء يقولون : لا بد أن تكون صلاة الجمعة بعد الزوال ، وهذا هو قول الأكثرين . وذهب قوم من أهل العلم إلى جوازها قبل الزوال في الساعة السادسة وفيه أحاديث وآثار تدل على ذلك صحيحة ، فإذا صلى قبل الزوال بقليل فصلاته صحيحة ، ولكن ينبغي ألا تفعل إلا بعد الزوال عملا بالأحاديث كلها وخروجا من خلاف العلماء ، وتيسيرا على الناس حتى يحضروا جميعا ، وحتى تكون الصلاة في وقت واحد ، هذا هو الأولى والأحوط" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/391) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هناك بعض الخطباء يدخلون إلى المسجد يوم الجمعة ويشرعون في الخطبة قبل الوقت وربما أقيمت الصلاة ولم يحن وقت الزوال فما صحة ذلك ؟
فأجاب رحمه الله :
"هذه المسألة – أي : الشروع في الخطبة والصلاة يوم الجمعة قبل الزوال - فيها خلاف بين العلماء ، فمنهم من قال : إنها لا تجوز حتى تزول الشمس ، ومنهم من قال : إنها تجوز ، والصحيح أنها تجوز قبل الزوال بساعة أو نصف ساعة أو ما قارب ذلك ، ولكن الأفضل بعد الزوال حتى عند القائلين بأنه يجوز أن تتقدم ساعة ونحوها ...
ولو صلى قبل الزوال على الرأي الذي يقول بجوازها قبل الزوال فلا بأس ، لكن بزمنٍ قريب" انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" (16/19) .
وعلى هذا ؛ لا حرج عليكم أن تصلوا الجمعة قبل وقت صلاة الظهر بنحو ساعة ، والاحتياط: ألا تزيدوا عن الساعة ، وإذا أمكن أن تصلوها بعد الزوال فهو أفضل وأولى .
والله أعلم