ما زال أخي يسألني هذا السؤال : عندما تقوم بتأجير مكان فإنك تنتفع بعقار أحد الناس وتعطيه في المقابل إيجارا وكذلك عندما تأخذ مالا من أحد فإنك تدفع له إيجارا عليه/ فائدة . وقد حرمت الفائدة فما الضير في انتفاع الطرفان . فإذا ما اشتريت بيتا وقد أخذت قرضا لشرائه فإنني أدفع فائدة للبنك بدلا من إيجاره ثم أتملكه بعد عامين بدلا من دفع إيجار عليه ولا أتملك أي شيء . فإذا كانت الفائدة في هذا الأمر حلالا فإنها تكون حلالا دائما
الحمد لله.
أولاً :
إن من أخطر الأمور على دين المسلم : القياس الفاسد ، والمشابهة بين شيئين مختلفين فرَّق الشرع بينهما .
قال ابن القيم : " وكلُّ بدعةٍ ومقالةٍ فاسدة في أديان الرسل فأصلُها من القياس الفاسد ... وما فَسَدَ ما فسدَ من أمر العالم وخرِبَ ما خرب منه إلا بالقياس الفاسد ، وأوَّلُ ذنبٍ عصي الله به : القياس الفاسد [يعني بذلك قياس إبليس : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)] ... فأصل شر الدنيا والآخرة جميعه من هذا القياس الفاسد" انتهى "إعلام الموقعين" (2 /27) .
وذلك لأنه : "ما من شيئين إلا ويجتمعان في شيء ، ويفترقان في شيء ، فبينهما اشتباه من وجه ، وافتراق من وجه .
فلهذا كان ضلال بني آدم من قبل التشابه ، والقياس الفاسد لا ينضبط ، كما قال الإمام أحمد : أكثر ما يخطئ الناس من جهة التأويل والقياس" انتهى "مجموع الفتاوى" (3/63) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : "ومن كان له معرفة بكلام الناس في العقليات رأى عامة ضلال من ضلَّ من الفلاسفة والمتكلمين بمثل هذه الأقيسة التي يُسوَّى فيها بين الشيئين لاشتراكها في بعض الأمور ، مع أن بينهما من الفرق ما يوجب أعظم المخالفة" انتهى .
"مجموع الفتاوى" (20/542) .
ثانيا :
قياس الفائدة الربوية على الإجارة الشرعية يشبه قياس أهل الجاهلية الربا على البيع ، كما أخبر الله عنهم بقوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا البقرة/275 .
والإجارة نوع من البيع ، لأن البيع يكون للأعيان ، والإجارة للمنافع .
ثم بعد هذا النص القطعي البين وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا كيف يسمح مسلم لنفسه أن يأتي ليحتج للمشركين على الله تعالى ! ويصحح كلام المشركين ، ويبطل كلام رب العالمين ، وكيف يقول الله تعالى : (وَحَرَّمَ الرِّبَا) ثم يأتي من يقول : الربا حلال قياساً على الإجارة!!
إن هذا ليس خطأ في الاستدلال ، بل هو أمر عظيم يقدح في الإيمان من أصله .
ولهذا توعد الله تعالى من يرجع إلى التعامل بالربا بعد هذا التحريم القطعي بقوله : وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
ومثل هذا القياس الفاسد الباطل لا يحتاج إلى جواب ، فإن تحريم الربا أظهر من أن يعترض عليه بمثل هذا الاعتراض .
ومع هذا ، فهناك فروق كثيرة جداً بين الإجارة والربا ، نكتفي بذكر هذا الفرق :
فالمالك لما أعطى البيت للمستأجر أعطاه إياه مقابل أجرة ، فكان من حقه إذا انتهت مدة الإجارة وبقي البيت مع المستأجر أن يطالبه بأجرة هذه المدة ، أما القرض ، فالمقرض دفعه لينال ثواب الآخرة ، وليرد إليه مثل ماله في الدنيا بلا زيادة ، فإذا طالب بزيادة لم يكن هذا هو القرض الشرعي .
ولهذا يقول العلماء : عقد الإجارة عقد معاوضة ، بخلاف القرض فهو عقد إرفاق وإحسان لا يقصد به المعاوضة والمرابحة ، وإنما هو إحسان محض ، لما فيه من نفع المسلم لأخيه المسلم ، وقضاء حاجته ، مع ما فيه من الثواب والأجر العظيم عند الله جل وعلا .
وأخذ الربح والفائدة على القرض يخرجه عن مقصوده ، ويؤدي لقطع صنائع المعروف بين الناس ، وذهاب ما بينهم من معاني البر والتعاون والتضامن والتراحم .
والله أعلم