الحمد لله.
أولا :
هذا الحديث لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يُروَى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( ثلاثة مَن كُنَّ فيه آواه الله في كنفه ، وستر عليه برحمته ، وأدخله في محبته . قيل : ما هن يا رسول الله ؟ قال : من إذا أُعطِيَ شَكَر ، وإذا قَدِرَ غفر ، وإذا غضب فتر )
وله عن ابن عباس طريقان ، كلاهما ضعيف جدا :
الطريق الأول : رواه الخطيب البغدادي في " المتفق والمفترق " (رقم/1070)، والحاكم في " المستدرك " (1/214)، وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (6/249)، من طريق عمر بن راشد مولى عبد الرحمن بن أبان بن عثمان التيمي ، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب القرشي ، عن هشام بن عروة ، عن محمد بن علي ، عن ابن عباس به .
وعمر بن راشد هذا متهم بالكذب ، ترجم له الذهبي في " ميزان الاعتدال " (4/303) فقال : " عمر بن راشد المدني الجاري – كان ينزل الجار -، أبو حفص ، عن ابن عجلان ، ومالك ، ويزيد بن عبد الملك النوفلي .
قال أبو حاتم : وجدت حديثه كذبا وزورا .
وقال العقيلي : منكر الحديث .
وتكلم فيه ابن عدي .
روى عنه مطرف بن عبد الله ، وأبو مصعب المديني ، ويعقوب الفسوي .
قال ابن عدي : كل أحاديثه مما لا يتابعه عليها الثقات .
وقال الدارقطني : كان ضعيفا ، لم يكن مرضيا ، وكان يتهم بوضع الحديث على الثقات .
وقال أبو حاتم : العجب من يعقوب بن سفيان كيف روى عنه لأني في ذلك الوقت وأنا شاب علمت أن تلك الأحاديث موضوعة ، فلم تطب نفسي أن أسمعها ، فكيف تخفى على يعقوب ذلك.
قلت ـ القائل هو الحافظ الذهبي ـ : هذا يدل على عظم قدر يعقوب عند أبي حاتم .
وقال أبو داود : ضعيف .
وقال الحاكم وأبو نعيم : يروي عن مالك أحاديث موضوعة .
وقال الخطيب : كان ضعيفا ، روى المناكير عن الثقات " انتهى
ولذلك ضعف هذا الحديث ابن حبان في " المجروحين " (2/93) وقال : " فيما يشبه هذا من الأخبار التي ينكرها من لم يجهل صناعة الحديث ، إذ الخبر لا أصل له " انتهى.
وضعفه البيهقي – بعد روايته له – بقوله : " عمر بن راشد : مولى مروان بن أبان بن عثمان ، وهو شيخ مجهول من أهل مصر يروي ما لا يتابع عليه " انتهى.
فلا يقبل كلام الحاكم عقب روايته الحديث : " هذا حديث صحيح الإسناد ، فإن عمر بن راشد شيخ من أهل الحجاز ، من ناحية المدينة ، قد روى عنه أكابر المحدثين " انتهى.
ولذلك تعقبه الذهبي في " التلخيص " بقوله : " بل واه " انتهى.
وقد رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (6/249) بسند آخر فيه عمر بن راشد أيضا ، ولكن جعله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وقد تعقبه البيهقي نفسه بقوله : " وهذا إسناد ضعيف " انتهى.
الطريق الثاني :
رواه مطرف بن عبد الله أبو مصعب المديني ، عن ابن أبي ذئب . كما عند ابن عدي في " الكامل " (6/378) ، ومن طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " (6/249) .
وفيه أحمد بن داود بن أبي صالح قال فيه ابن حبان : " يضع الحديث " انتهى. " المجروحين " (1/146)، وانظر: " ميزان الاعتدال " (1/96)
ولذلك حكم على الحديث بالوضع الشيخ الألباني رحمه الله في " السلسلة الضعيفة " (رقم/587)
ثانيا :
فضيلة الشكر عند النعمة ، والعفو عند المقدرة ، وتمالك النفس عند الغضب أبواب ثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة بما يغني عن الأحاديث المكذوبة والموضوعة :
يقول الله تعالى : ( نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ ) القمر/35.
ويقول سبحانه : ( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) الشورى/37.
ويقول عز وجل : ( وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) التغابن/14.
والنصوص الثابتة في هذا الباب كثيرة ، تراجع في مظانها ، مثل رياض الصالحين وغيره من كتب الترغيب والرقاق .
والله أعلم .