الحمد لله.
أولاً:
ننبه إلى لفظة وردت في السؤال جاءت في غير مكانها ، وهي قول السائل " أخرج الألباني " ثم ذكر حديثاً في كتابٍ من كتب الشيخ الألباني رحمه الله ، والصواب : أن يقال : " أورد الألباني " ، أو " ذكَرَ " ، وذلك أن كتاب الشيخ رحمه الله ليس مصدراً أصليّاً في الحديث كالبخاري ومسلم والترمذي وغيرها مما روى أصحابها الأحاديث بأسانيدها .
والكتب التي تخلو من الأسانيد - كالكتب المعاصرة – إذا نُقل الحديث منها : فيقال " ذكره " ، أو " أورده " ، أو " نقله " ومثيلاتها من العبارات ، وأما من يذكر الحديث بإسناده فيقال عند نسبة الحديث إليه : " رواه " و " أخرجه " .
ثانياً:
أما الحديث المشار إليه فقد جاء من حديث بريدة ، وحديث أم كرز :
أ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( الْعَقِيقَةُ تُذْبَحُ لِسَبْعٍ وَلأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَلإِحْدَى وَعِشْرِينَ ) .
رواه الطبرانى في " المعجم الأوسط " ( 5 / 136 ) والبيهقي ( 9 / 303 ) .
قال الهيثمي – رحمه الله - :
رواه الطبراني في " الصغير " ، و" الاوسط " ، وفيه إسماعيل بن مسلم المكى ، وهو ضعيف لكثرة غلطه ووهمه .
" مجمع الزوائد " ( 4 / 59 ) .
ب. عن عطاء عن أم كرز وأبي كرز قالا : نذرت امرأة من آل عبد الرحمن بن أبي بكر إن ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزوراً فقالت عائشة رضي الله عنها : " لا ، بل السنَّة أفضل ، عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة ، تقطع جُدُولا ، ولا يكسر لها عظم ، فيأكل ، ويطعم ، ويتصدق ، وليكن ذاك يوم السابع ، فإن لم يكن : ففي أربعة عشر ، فإن لم يكن : ففي إحدى وعشرين " .
رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين " ( 4 / 266 ) .
" جُدُولاً " أي : أعضاء ، والجَدْل - بفتح الجيم - : العضو .
والحديث ضعيف .
قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
ظاهر الإسناد : الصحة ، ولكن له عندي علتان :
الأولى : الانقطاع بين عطاء وأم كرز ؛ لما ذكرته فيما تقدم من الكلام على طرق حديث أم كرز هذه عند حديث عائشة ، رقم ( 1166 ) .
والأخرى : الشذوذ والإدراج ، فقد ثبت الحديث عن عائشة من طريقين كما سبق هناك ، وليس فيهما قوله : " تقطع جدولاً ... " ، فالظاهر أن هذا مدرج من قول عطاء ، ويؤيده أن عامر الأحول رواه عن عطاء عن أم كرز قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة ) . قال : وكان عطاء يقول : " تقطع جدولا ... " دون قوله " ولكن ذاك يوم السابع ... " أخرجه البيهقي ( 9 / 302 ) ، فقد بيَّن عامر أن هذا القول ليس مرفوعاً في الحديث ، وإنما هو من كلام عطاء موقوفاً عليه ، فدل أنه مدرج في الحديث .
" إرواء الغليل " ( 4 / 369 ) .
وبذلك يتبين أن الراجح ضعف الحديث المذكور في العقيقة ، وإذا كان للشيخ الألباني رحمه الله اجتهادان في الحديث ، فالأظهر منهما ما بين فيه حجته وفصل قوله فيه ، وهو قوله بتضعيف الحديث ، لا سيما وهو المتأخر منهما .
ثالثاً:
وأما من حيث الحكم الشرعي العملي : فإنه قد اختلف العلماء في الوقت التي تُجزئ فيه العقيقة على أقوال ، مع اتفاقهم على استحباب كون ذلك الذبح في اليوم السابع .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 30 / 278 ، 279 ) :
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن وقت ذبح العقيقة يبدأ من تمام انفصال المولود ، فلا تصح عقيقة قبله ، بل تكون ذبيحة عادية .
وذهب الحنفية والمالكية إلى أن وقت العقيقة يكون في سابع الولادة ولا يكون قبله .
واتفق الفقهاء على استحباب كون الذبح في اليوم السابع على اختلاف في وقت الإجزاء كما سبق.
... .
وقال المالكية : إن وقت العقيقة يفوت بفوات اليوم السابع .
وقال الشافعية : إن وقت الإجزاء في حق الأب ونحوه ينتهي ببلوغ المولود .
وقال الحنابلة - وهو قول ضعيف عند المالكية - : إن فات ذبح العقيقة في اليوم السابع يسن ذبحها في الرابع عشر ، فإن فات ذبحها فيه انتقلت إلى اليوم الحادي والعشرين من ولادة المولود فيسن ذبحها فيه وهو قول عند المالكية ، وهذا مروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها .
انتهى
والراجح من تلك الأقوال : أن العقيقة تستحب في اليوم السابع من ولادة المولود ، وأنه إن فات ذلك اليوم : فتُذبح في أي يوم ؛ لضعف الحديث الوارد في كونها تُذبح في اليوم الرابع عشر ، والواحد والعشرين ، إن فات اليوم السابع ، وأن ذبحها متعلق بالولادة ، فتجوز قبل السابع وبعده ، وهو قول الشافعية والحنابلة - كما سبق - ، وهو ما رجحه ابن القيم رحمه الله ، ووافقه عليه علماء اللجنة الدائمة .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
والظاهر : أن التقييد بذلك – أي : اليوم السابع - استحباب وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر أو ما بعده : أجزأت .
" تحفة المودود بأحكام المولود " ( ص 63 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
العقيقة سنَّة مؤكدة عن الغلام شاتان تجزئ كل منهما أضحية ، وعن الجارية شاة واحدة ، وتذبح يوم السابع ، وإذا أخرها عن السابع : جاز ذبحها في أي وقت ، ولا يأثم في تأخيرها ، والأفضل تقديمها ما أمكن .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 439 ) .
وقالوا – أيضاً - :
وتحديد اليوم السابع للذبح لا يؤخذ منه أن مشروعيتها لا تبدأ إلا في اليوم السابع ؛ فإن الولادة هي سبب طلب العقيقة ، واليوم السابع هو الوقت الأفضل لتنفيذ هذا الأمر المشروع ، ولهذا لو ذبحها قبل السابع : أجزأت ، كما قال ابن القيم ومن وافقه من أهل العلم .
الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن منيع
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 445 ، 446 ) .
وانظر حكم العقيقة في جواب السؤال رقم ( 20018 ) ، وجواز توزيع لحم العقيقة نيئاً أو مطبوخاً في جواب السؤال رقم ( 26046 ) و ( 8423 ) و ( 8388 ) .
والله أعلم