الحمد لله.
الشارب : هو اسم للشعر الذي يسيل على الفم ، هكذا عرفه الفقهاء ، وينظر : "المصباح المنير في غريب الشرح الكبير" ص 308 ، "الموسوعة الفقهية" (25/ 316) .
ولا إشكال في أعلى الشارب وأسفله ، فإن هذا لا يشتبه أمره باللحية ، وإنما الذي يشتبه هما طرفا الشارب ، ويسميان : السُّبالان ، فمن الفقهاء من رآهما من الشارب كما هو قول الحنابلة ، وقولٌ للحنفية والمالكية ، ومنهم من رآه من اللحية كبعض الحنفية ، أو رآهما من الشارب لكن رأى عدم الحرج في تركهما كالشافعية .
والصواب هو القول الأول ؛ لورد الأمر بقص السبالين ، فقد روى أحمد (21780) عن أَبي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنْ الْأَنْصَارٍ بِيضٌ لِحَاهُمْ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ . قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَسَرْوَلَونَ وَلَا يَأْتَزِرُونَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَسَرْوَلُوا وَائْتَزِرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ . قَالَ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَخَفَّفُونَ وَلَا يَنْتَعِلُونَ . قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَتَخَفَّفُوا وَانْتَعِلُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ . قَالَ : فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ . قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ) والحديث حسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (13070) .
وروى ابن حبان (5476) والبيهقي في السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال : (إنهم يوفون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم) فكان ابن عمر يجز سباله كما تجز الشاة أو البعير . قال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه : إسناده حسن . وقال الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/333) : "وهذا إسناد جيد ، رجاله ثقات ، وفي معقل بن عبيد الله كلام يسير لا يضر" انتهى .
قال العراقي رحمه الله : "اختلفوا في كيفية قص الشارب هل يقص طرفاه أيضا وهما المسميان بالسبالين أم يترك السبالان كما يفعله كثير من الناس ؟ فقال الغزالي في إحياء علوم الدين : لا بأس بترك سباليه وهما طرفا الشارب ، فعل ذلك عمر رضي الله عنه وغيره ; لأن ذلك لا يستر الفم ولا يبقي فيه غمرة الطعام إذ لا يصل إليه" انتهى .
وروى أبو داود من رواية أبي الزبير عن جابر قال : كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة .
وكره بعضهم بقاء السبال لما فيه من التشبه بالأعاجم ، بل بالمجوس وأهل الكتاب ، وهذا أولى بالصواب ؛ لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال : إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم . فكان ابن عمر يجز سباله كما تجز الشاة أو البعير. وروى أحمد في مسنده في أثناء حديث لأبي أمامة : فقلنا : يا رسول الله فإن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب) , والعثانين جمع عثنون : اللحية" انتهى من "طرح التثريب" (2/77) .
وقال في "مطالب أولي النهى" (1/85) : "وسن قص شارب أي : قص الشعر المستدير على الشفة ، أو قص طرفه ، وحفه أولى نصا [يعني : نص عليه الإمام أحمد] . قال في " النهاية " إحفاء الشوارب : أن تبالغ في قصها , ومنه : السبالان , وهما : طرفاه , لحديث أحمد : (قصوا سبالاتكم ولا تتشبهوا باليهود)" انتهى .
وينظر : "حاشية ابن عابدين" (2/550) ، "مغني المحتاج" (6/144) ، "الموسوعة الفقهية" (25/322) .
كما ينظر للفائدة جواب السؤال رقم (103623) .
والله أعلم .