الحمد لله.
أولا :
يجب قسمة الميراث كما أمر الله تعالى ، والحذر من التعدي في ذلك ، وقد قال تعالى بعد ذكر المواريث : (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) النساء/13 ، 14 .
فليس لأخيكم الاستئثار بإيجار العمارة وحرمان بقية الورثة من ذلك .
ثانيا :
تجب نفقة الوالدين الفقراء على أولادهما ذكورا أو إناثا إذا كانوا أغنياء لهم ما يفضل عن نفقتهم ونفقة من يعولون ؛ لقوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء/23.
ومن الإحسان : الإنفاق عليهما عند حاجتهما .
وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ ، وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ) رواه أبو داود (3528) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
وقال ابن المنذر رحمه الله : " أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد " انتهى نقلا من "المغني" (8/ 169).
وعليه ؛ فإن نفقة والدتك تكون من نصيبها من الإيجار وهو الثمن ، ولها أن تبيع نصيبها على أحد الورثة أو على غيرهم ، وتنفق على من نفسها منه .
فإن لم يكف ذلك لنفقتها وجب إكمال نفقتها من مال أولادها الأغنياء ذكورا أو إناثا ، فلو كانت المرأة المتزوجة تستغني بنفقة زوجها ، وعندها فاضل من مال - ولو من إيجار العمارة - لزمها أن تنفق على أمها .
قال الشيخ ابن جبرين رحمه الله : " وإذا افتقر الوالدان وعند البنت مال زائد عن حاجتها فيلزمها أن تنفق على والديها قدر حاجتهما دون أن تنقص من حاجاتها " انتهى.
وتكون النفقة على قدر الإرث لعموم قوله تعالى : ( وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ) البقرة/ 233 ، فيؤخذ من الذكر مثل حظ الأنثيين .
وليس لأخيكم حبس الإيجار بحجة النفقة ، بل يعطي كل وارث نصيبه ، ويتفق الجميع على إخراج قدر من المال يكفي لنفقة والدتهم ، وهذا مهما بلغ لا يساوي شيئاً من حقها عليكم .
وقد روى البخاري في "الأدب المفرد" (18) عن أبي بردة أن ابن عمر رضي الله عنهما شهد رجلا يمانيا يطوف بالبيت ، حمل أمه وراء ظهره ، يقول : إني لها بعيرها المذلل ، أترانى جزيتها ؟ قال ابن عمر : لا ، ولا بزفرة واحدة " وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد".
والزفرة : تردد النفس ، وهو مما يعرض للمرأة عند الولادة .
فاتقوا الله تعالى وأصلحوا ذات بينكم ، وراقبوا الله تعالى في والدتكم التي هي أحق الناس بصحبتكم ورعايتكم .
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد .
والله أعلم .