الحمد لله.
أولا :
من عقيدة أهل السنة والجماعة القول بخلود الكفار في النار أبدا ، فما هم منها بمخرجين ، ولا هي بالتي تفنى . قال الله تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) النساء / 168 - 169
وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ) فاطر/ 36
وقال سبحانه :
( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) الزخرف / 77
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى :
" هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر وأهل السنة المتمسكين بعروتها المعروفين بها المقتدى بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، وأدركت من أدركت من العلماء أهل الحجاز والشام وغيرهم عليها ، فمن خالف شيئا من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع خارج عن الجماعة ، زائل عن منهج السنة وسبيل الحق " . وساق أقوالهم إلى أن قال : " وقد خلقت الجنة وما فيها ، وخلقت النار وما فيها ؛ خلقهما الله عز وجل وخلق لهما أهلا ، ولا يفنيان ولا يفنى ما فيهما أبدا " انتهى .
ينظر : "شرح قصيدة ابن القيم" (1 / 96-97) .
وقال ابن حزم رحمه الله :
" اتفقت فرق الأمة كلها على أنه لا فناء للجنة ولا لنعيمها ، ولا للنار ولا لعذابها ، إلا جهم بن صفوان وأبا الهذيل العلاف وقوما من الروافض " انتهى .
"الفصل" (4 / 69-70)
راجع إجابة السؤال رقم : (45804) .
ثانيا :
يحشر الكافرون يوم القيامة كما وصفهم الله تعالى في قوله : ( وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ) الإسراء/97
وهذا يكون على حقيقته ، قال تعالى :
( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى )
طه / 124-126
وروى البخاري (4760) ومسلم (2806) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ : ( أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ ) .
وقال السعدي رحمه الله :
" يحشرهم الله على وجوههم ـ خزيا ـ عميا وبكما ، لا يبصرون ولا ينطقون " انتهى .
"تفسير السعدي" (ص 467)
ثالثا :
الحشر على هذه الصفة يكون أول الحشر ، تبكيتا لهم وإظهارا لهوانهم على الله ، ثم يجعل الله لهم بعد ذلك أسماعا وأبصارا ومنطقا ، كما قال الله تعالى : ( وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ) يونس / 54 ، وقال سبحانه : ( إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ) الفرقان / 12 ، وقال عز وجل : ( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ) الزخرف / 77 .
فلا يسمعون ولا يبصرون ولا ينطقون في مبدأ الأمر ، ثم يردّ الله تعالى إليهم أبصارهم ونطقهم وسمعهم ، فيرون النار ويسمعون زفيرها ، وينطقون بما حكى الله تعالى عنهم في غير موضع .
راجع : "أضواء البيان" (21 / 253-255)
قال ابن جرير رحمه الله :
" فإن قال قائل : وكيف وصف الله هؤلاء بأنهم يحشرون عميا وبكما وصما ، وقد قال : ( وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا ) فأخبر أنهم يرون ، وقال ( إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ) فأخبر أنهم يسمعون وينطقون ؟
قيل : جائز أن يكون ما وصفهم الله به من العَمى والبكم والصمم يكون صفتهم في حال حشرهم إلى موقف القيامة ، ثم يُجعل لهم أسماع وأبصار ومنطق في أحوال أُخَر غير حال الحشر " انتهى .
"تفسير الطبري" (17 / 559) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" قوله: ( عُمْيًا ) أي : لا يبصرون ( وَبُكْمًا ) يعني : لا ينطقون ( وَصُمًّا ) : لا يسمعون . وهذا يكون في حال دون حال " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (5 / 123) ، وينظر أيضا : (7 / 118) .
والله أعلم .