الفردوس وأطيط العرش

12-04-2010

السؤال 146074

ما صحة حديث : ( سلوا الله الفردوس ، فإنها سرة الجنة ، وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش ) وما معنى أطيط العرش ، وما هي الفردوس ، وما ميزتها عن الجنة ؟ وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله.

أولا : نص الحديث

هذا الحديث يُروَى عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( سَلُوا اللَّهَ الْفِرْدَوْسَ ، فَإِنَّهَا سُرَّةُ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ أَهْلَ الْفِرْدَوْسِ لَيَسْمَعُونَ أَطِيطَ الْعَرْشِ )

ثانيا : معاني مفردات الحديث

الأطيط : صوت الرحال إذا ثقل عليها الركبان . انظر: " لسان العرب " (1/ 92)، مادة : أطط.

سرة الجنة : أي وسطها وجوفها ، من " سرة " الإنسان ، فإنها في وسطه .

ثالثا : تخريج الحديث

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (8/246) – ومن طريقه أبو نعيم في " صفة الجنة " (رقم/469)-، ورواه الروياني في " المسند " (رقم/1265)، وابن بطة في " الإبانة " (3/176)، وعثمان بن أبي شيبة في كتاب " العرش " (رقم/12) وغيرهم .

جميعهم من طريق جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة .

رابعا : الحكم على الحديث

إسناد الحديث ضعيف جدا بسبب جعفر بن الزبير ، اتفق الأئمة على ترك حديثه ، حتى روى علي ابن المديني عن غندر : رأيت شعبة راكبا على حمار ، فقيل له : أين تريد يا أبا بسطام ؟ قال : أذهب فأستعدي على هذا - يعنى جعفر بن الزبير -، وَضَعَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة حديث كذب . انظر : " تهذيب التهذيب " (2/92)

ولذلك ضعفه الشيخ الألباني في " السلسلة الضعيفة " (رقم/3705)، وضعف كل الأحاديث التي ورد فيها " أطيط العرش "، وانظر: (رقم/866، ورقم/6329)

وقال الإمام الذهبي رحمه الله :

" الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل ، فذاك صفة للرحل وللعرش ، ومعاذ الله أن نعده صفة لله ، ثم لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت ، وقولنا في هذه الأحاديث أننا نؤمن بما صح منها ، وبما اتفق السلف على إمراره وإقراره ، فأما ما في إسناده مقال ، أو اختلف العلماء في قبوله وتأويله ، فإننا لا نتعرض له بتقرير ، بل نرويه في الجملة ونبين حاله " انتهى.

" العلو " (ص/45) طبعة مكتبة أضواء السلف ، وفي (1/415-416) من طبعة دار الوطن بتحقيق الدكتور عبد الله بن صالح البراك .

ويقول الدكتور محمد خليفة التميمي :

" وأما مسألة الأطيط : فلم يثبت في المسألة نص صحيح " انتهى.

تحقيق كتاب " العرش " لابن أبي شيبة (ص/335)

وخالف في ذلك آخرون من أهل العلم ، كشيخ الإسلام ابن تيمية ، وتلميذه ابن القيم ، فقالوا بتصحيح حديث محمد بن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن عرشه لعلى سماواته وأرضه ، وإنه ليئط أطيط الرحل بالراكب ) ، وهو حديث آخر غير المذكور ، لكنه يشترك معه في ذكر " الأطيط " . ولكن مع تنزيه الله عز وجل أن يحمله شيء من خلقه ، أو يحتاج إلى شيء من خلقه ، سبحانه ؛ وإنما هذا اللفظ هي من جزء من حديث أشمل من ذلك ، سيق لبيان عظمة الله جل جلاله ، والإشارة إلى شيء من ملكوته ودلائل قدرته وعظمته ؛ فالسياق قاطع في بيان العظمة والقدرة ، لا الحاجة إلى شيء من الخلق ، جل جلاله سبحانه ، وتقدست أسماؤه .

خامسا : ما هي الفردوس ، وأين مكانها في الجنة ؟

يقول الدكتور محمد خليفة التميمي وفقه الله :

" على الرغم من ضعف الحديث من حيث إسناده ، إلا أن ما جاء فيه من قوله : ( سلوا الله جنة الفردوس فإنها سرة الجنة ) له شاهد من حديث أخرجه البخاري في " صحيحه " ، كتاب التوحيد ، باب : ( وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ )، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله ، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض ، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس ، فإنه وسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة )

واسم الفردوس : قد يطلق ويراد به جميع الجنة .

وقد يطلق ويراد به : أفضل الجنة وأعلاها ، كما في هذا الحديث .

وكأنه بهذا المعنى أحق وأصوب ، قال تعالى : ( أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) المؤمنون/10-11، وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً ) الكهف/107. 

والفردوس في اللغة : البستان .

قال الفراء : أصل اللفظ عربي . وقال مجاهد : هو البستان بالرومية ، واختاره الزجاج .

وأما ما جاء في وصف الفردوس من كونه : ( وسط الجنة وأعلى الجنة ):

فالحافظ ابن حجر يقول : " المراد بالأوسط هنا الأعدل والأفضل : كقوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطا ) البقرة/143، فعلى هذا عطف الأعلى عليه للتأكيد .

وقال الطيبي : المراد بأحدهما العلو الحسي ، وبالآخر العلو المعنوي .

وقال ابن حبان : المراد بالأوسط السعة ، وبالأعلى الفوقية .

والصواب أن تفسير الأوسط على المعنى المعنوي لا المكاني لا يساعد عليه ظاهر النص ، ذلك أن ظاهر النص ينص على أن الفردوس هو وسط الجنة وأعلاها ، بمعنى أن الفردوس هو ربوة الجنة ، وأن الجنان الأخرى عن جوانبه ومن تحته ، وهو أعلاها .

قال قتادة : الفردوس ربوة الجنة ، وأوسطها ، وأعلاها ، وأفضلها ، وأرفعها .

ويدل على ذلك قوله في الحديث : ( وفوقه عرش الرحمن )، فليس فوق الفردوس إلا عرش الرحمن سبحانه وتعالى ، كما يدل عليه أيضا قوله : ( ومنه تفجر أنهار الجنة )؛ لأن الأنهار عادة تنبع من الأعلى . والله أعلم .

وهذه الصفة أي : كون وسط الشيء أعلاه- لا تتصور إلا في المقبب ، فإن أعلى القبة هو أوسطها ، فالجنة والله أعلم تكون كذلك . انظر: "فتح الباري": (6/ 13)، "حادي الأرواح": ص 74، 75، "لسان العرب": (2/ 1069)، "النهاية" لابن كثير: (2/233) " انتهى .

النقل عن الدكتور محمد خليفة التميمي في تحقيقه لكتاب " العرش " لعثمان بن أبي شيبة (ص/335)

والله أعلم .

الجنة والنار الأحاديث الضعيفة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب