الحمد لله.
"فقد شرع الله جل وعلا للعباد البر بوالديهم والإحسان إليهم بالصدقات والدعاء وسائر أنواع الخير التي تنفع الوالدين أحياء وأمواتاً ، ولكن الصلاة للوالدين غير مشروعة ولم يأت بها نص ، فلا يصلي الولد لوالده ، ولكن يدعو له ويتصدق عنه ويحج عنه إذا كان ميتاً أو عاجزاً لا يستطيع الحج لكبر سنه أو مرضه الذي لا يرجى برؤه ونحو ذلك .
أما كونه يصلي عنه فهذا غير مشروع ، ولكن يدعو له ويتصدق عنه ويحج عنه إذا كان ميتاً أو عاجزاً ، وهكذا سائر أنواع الخير التي تنفعه كالضحية عنه والاعتمار عنه والإحسان إلى أصدقائه وأقاربه ونحو ذلك من وجوه الخير .
أما كونه يصلي عنه زيادة في كل فرض ركعة فهذا غير مشروع ولا يجوز ، فإنه إذا زاد ركعة في الصلاة أبطلها ، إذا صلى الظهر خمساً لأبيه أو لأمه هذا باطل وغلط وبدعة ومنكر ، وحتى إذا صلاها مستقلة فإنه لا يجوز ذلك أيضاً ؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع لنا أن نصلي عن آبائنا أو أمهاتنا ، فهذا منكر .
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم ، سأله رجل قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (نَعَمْ ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا ، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا) .
هكذا بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فالصلاة عليهما يدخل فيها الدعاء لهما وصلاة الجنازة ، والدعاء يسمى صلاة ، قال الله تعالى : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) التوبة/103 ، أي : ادع لهم ، والصلاة على الوالدين الدعاء لهما بالمغفرة والرحمة والنجاة من النار ، والدعاء لهما في حياتهما بمضاعفة الأجر وقبول الحسنات والعافية والصحة ونحو ذلك ، والاستغفار لهما وطلب المغفرة لهما .
وإنفاذ عهدهما من بعدهما : إنفاذ وصاياهم ، إذا أوصوا بشيء لا يخالف الشرع فالواجب أن ينفذ وصية الوالد ؛ لأن الله جل وعلا شرع له ذلك ، وهذا من الإعانة على الخير ، إذا أوصى والده بشيء مما يحبه الله كالصدقة وبناء المساجد والضحية عنه وأشباه ذلك فإن الواجب أن ينفذ ذلك .
أما إذا أوصى بشيء لا يشرع فالولد لا ينفذ ، إذا أوصى أبوه أن يبنى على القبر مسجداً أو يبنى عليه قبة فهذه بدعة ومنكر ، فلا يقبل هذه الوصية ولا ينفذها ، لأنها مخالفة للشرع ، كذلك لو أوصاه والده أن يقطع أرحامه وألا يكلم عمه وألا يصل إخوانه، هذه وصية باطلة ، وقطيعة للرحم لا ينفذها .
ولكن ينفذ الوصايا الشرعية مثل لو أوصى بأن يتصدق عنه ، يعمر عنه مسجداً على وجه الشرع ، يضحي عنه ، يحج عنه ، لا بأس . فالمقصود أن ينفذ عهد أبيه وأمه إذا كان ذلك شيئاً شرعياً ، أما إذا كان ذلك يخالف الشرع فلا .
وهكذا إكرام صديق والديه ، يكرمهم ويحسن إليهم .
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ) هذا من أبر البر ؛ كونه يصل أحباب أبيه وأولياء أبيه وأقاربه ، وكذلك صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما ؛ مثل الإحسان إلى أعمامه وإلى جد أبيه وإلى أخواله أخوات أمه وأخوال جدته ونحو ذلك كله من الصلة للوالدين ، وصلته أقارب والديه صلة لهما" انتهى.
سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله
"فتاوى نور على الدرب" (2/1155 – 1157) .