الحمد لله.
فالحديث ضعيف لا يصح ، وفيه
ثلاث علل :
الأولى :
عبد الله بن دكين – وإن روي توثيقه عن بعض أهل العلم – إلا أنه لا يقبل تفرده
بالحديث ، فقد ضعفه كثير من النقاد وجرحوه برواية المناكير ، والجرح المفسر مقدم
على التعديل المبهم .
قال ابن معين : " ليس بشيء " انتهى من " الكامل " (4/227) .
وقال أبو زرعة : " ضعيف " انتهى من " سؤالات البرذعي " (355) .
وقال أبو حاتم : " منكر الحديث ، ضعيف الحديث ، روى عن جعفر بن محمد غير حديث منكر
" انتهى من " الجرح والتعديل " (5/48)، وانظر: " تهذيب الكمال " (14/469) .
والحديث الذي معنا هو من رواية عبد الله بن دكين عن جعفر بن محمد ، والتي صرح أبو
حاتم بأن فيها مناكير .
العلة الثانية :
تعارض الوقف والرفع بما يرجح ضعف حفظ عبد الله بن دكين ، واضطراب روايته ههنا ، فلا
يوثق برفعه للحديث ، ولعل هذا هو سبب إيراد العلماء له في سياق كلام علي بن أبي
طالب رضي الله عنه نفسه ، كما فعل البخاري في " خلق أفعال العباد " (ص/67) حيث قال:
"ويذكرون عن علي رضي الله عنه قال : ( يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا
اسمه ولا من القرآن إلا رسمه ) " انتهى.
العلة الثالثة :
الانقطاع ، فجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، يروي
الحديث عن أبيه ، محمد بن علي ، عن جده علي بن الحسين ، وعلي بن الحسين لم يدرك علي
بن أبي طالب رضي الله عنه ، بل حديثه عنه مرسل كما في " جامع التحصيل " (ص/240).
ولذلك حكم الإمام البيهقي على الحديث بقوله : " منقطع " انتهى. " شعب الإيمان "
(3/319)، وذكره الإمام ابن عدي في " الكامل " (4/227)، والذهبي في " ميزان الاعتدال
" (4/93) كأمثلة على حديث عبد الله بن دكين المنكر ، وضعفه الشيخ الألباني في "
السلسلة الضعيفة " (رقم/1936) وقال :
" ضعيف جدا، أخرجه الديلمي في " مسنده " ( 107 / 1 ) من طريق الحاكم بسنده عن خالد
بن يزيد الأنصاري عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا .
قلت – أي الشيخ الألباني - : خالد هذا الظاهر أنه العمري المكي ، فإنه يروي عن ابن
أبي ذئب ، كذبه أبو حاتم ويحيى ، وقال ابن حبان ( 1 / 258 ) : " يروي الموضوعات عن
الأثبات " .
ثم رواه الديلمي من طريق إسماعيل بن أبي زياد عن ثور عن خالد بن معدان عن معاذ به
نحوه.
قلت – أي الشيخ الألباني - : وهذا - كالذي قبله - موضوع ، آفته إسماعيل هذا ، وهو
السكوني القاضي ، قال ابن حبان ( 1 / 129 ) : " شيخ دجال ، لا يحل ذكره في الحديث
إلا
على سبيل القدح فيه " .
وقد وجدت له طريقا ثالثا ، فقال ابن أبي الدنيا في كتاب " العقوبات " : أخبرنا سعيد
بن زنبور قال : أخبرنا يزيد بن هارون عن عبد الله بن دكين عن جعفر بن محمد عن أبيه
عن جده قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فذكره مرفوعا .
قلت – أي الشيخ الألباني - : وهذا إسناد واه ، عبد الله بن دكين مختلف فيه ، وفي
ترجمته ساق الحديث الذهبي مشيرا إلى نكارته .
وهذا هو الوجه عندي إن كان قد صح رواية يزيد له عنه ، فإن سعيد بن زنبور لم أجد من
ترجمه .
وقد خالفه محمد بن مسلمة فقال : حدثنا يزيد بن هارون به ، لكنه أوقفه على علي رضي
الله عنه ، أخرجه الدينوري في " المنتقى من المجالسة " ( 19 - 20 مخطوط حلب ) :
حدثنا
يزيد بن هارون ..ومحمد بن مسلمة هو الواسطي صاحب يزيد بن هارون ، مختلف فيه ،
والأكثرون على تضعيفه ، بل قال أبو محمد الخلال . " ضعيف جدا " .
وقال الذهبي : أتى بخبر باطل اتهم به .
لكن الدينوري نفسه متهم ، فراجع ترجمته في " الميزان " .
وجملة القول أن هذا الحديث بهذه الطرق الثلاث ، يظل على وهائه لشدة ضعفها ، وإن كان
معناه يكاد المسلم أن يلمسه ، بعضه أو جله في واقع العالم الإسلامي ، والله
المستعان " انتهى النقل عن " السلسلة الضعيفة ".
وقد خرجه مفصلا الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف ، رحمه الله ، في " تكميل النفع بما لم
يثبت فيه وقف ولا رفع " (الحديث رقم: 25) وحكم عليه بالضعف الشديد موقوفا ومرفوعا .
وأما مضمون الحديث ، فلم نقف على شاهد صحيح لقوله ( مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، علماؤهم شر مَن تحت أديم السماء مِن عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود ) .
وأما الجملة الأولى منه – التي فيها دلالة على غربة الإسلام في آخر الزمان – فهي كثيرة ، ومنها الحديث المشهور : ( بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) رواه مسلم (145) .
وللاطلاع على الأحاديث
الواردة في الباب يرجى النظر في كتاب : " إتحاف الجماعة " للشيخ التويجري (2/68-72)
" باب ما جاء في ضعف الإيمان وقلته في آخر الزمان "
والله أعلم.