أعيش في منطقة يكثر فيها متبعي المذهب الحنفي والديوبندية وتقل فيها المساجد السلفية ، لذلك تدركني صلاة العصر وأنا في العمل حيث لا يوجد مسجد سلفي قريب مني لشهود الجماعة في وقتها ، وإنما يوجد هناك مسجد حنفي بالجوار حيث يقومون بتأخير صلاة العصر إلى قرب المغرب بساعة وبضع دقائق ، فماذا أفعل في هذه الحالة هل أؤخر صلاة العصر وأشهدها جماعة معهم أم أصليها بمفردي في أول وقتها في مكان عملي؟
الحمد لله.
أولا :
وقت صلاة العصر الاختياري يبدأ من : مصير ظل الشيء كطوله وهو انتهاء وقت الظهر ،
إلى اصفرار الشمس ؛ لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وَقْتُ
الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ
الشَّمْسُ) رواه مسلم (612) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ،
فلا يجوز تأخير الصلاة عن ذلك إلا لضرورة .
وينظر في مواقيت الصلاة جواب السؤال رقم : (9940)
.
واصفرار الشمس يختلف وقته باختلاف الفصول ، لكن إذا صُليت العصر قبل المغرب بنحو
ساعة ، كان ذلك قبل اصفرار الشمس .
وينبغي أن يٌعلم أن آخر وقت الظهر عند جمهور الفقهاء : إذا صار طول ظل الشيء كمثله
، خلافا لأبي حنفية رحمه الله فإنه يرى أن آخر وقت الظهر : إذا صار طول ظل الشيء
مثليه .
وقد ذهب بعض الحنفية إلى ما ذهب إليه الجمهور ، ومنهم الصاحبان ، أبو يوسف ومحمد ،
وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله .
قال الحصكفي : "ووقت الظهر من زواله أي ميل ذُكاء [أي الشمس] عن كبد السماء إلى
بلوغ الظل مثليه وعنه مثله ، وهو قولهما وزفر والأئمة الثلاثة . قال الإمام الطحاوي
: وبه نأخذ . وفي غرر الأذكار : وهو المأخوذ به . وفي البرهان : وهو الأظهر . لبيان
جبريل . وهو نص في الباب . وفي الفيض : وعليه عمل الناس اليوم وبه يفتى " انتهى من
الدر المختار مع حاشية ابن عابدين (1/ 359) .
والحاصل : أنه لا حرج في تأخير صلاة العصر ، ما لم تصفر الشمس ، والأولى تقديمها ،
لكن لا تترك الجماعة لأجل ذلك .
ثانيا :
الديوبندية تتبنى المذهب الماتريدي في العقيدة ، وفيهم من ينتمي إلى الطرق الصوفية
كالنقشبندية والجشتية والقادرية والسهروردية .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (22473)
.
والقول الراجح في الصلاة خلف المبتدع : أن من حُكم بإسلامه ، صحت الصلاة خلفه ، ومن
كان على بدع كفرية يكفر بها لم تصح الصلاة خلفه .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : هل تجوز الصلاة خلف صاحب عقيدة مخالفة لأهل السنة
والجماعة كالأشعري مثلا؟
فأجاب : "الأقرب - والله أعلم - أن كل من نحكم بإسلامه يصح أن نصلي خلفه ومن لا فلا
، وهذا قول جماعة من أهل العلم وهو الأصوب . وأما من قال: إنها لا تصح خلف العاصي،
فقوله هذا مرجوح ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الصلاة خلف الأمراء ،
والأمراء منهم الكثير من العصاة ، وابن عمر وأنس وجماعة صلوا خلف الحجاج وهو من
أظلم الناس .
والحاصل أن الصلاة تصح خلف مبتدع بدعة لا تخرجه عن الإسلام ، أو فاسق فسقا ظاهرا لا
يخرجه من الإسلام . لكن ينبغي أن يولَّى صاحب السنة ، وهكذا الجماعة إذا كانوا
مجتمعين في محل يقدمون أفضلهم " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (5/ 426) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم الصلاة في مساجد بعض الدول الإسلامية
التي يغلب على من يتولى فيها الإمامة من أخذ الاعتقاد على المذهب الأشعري ؟
فأجاب : جائز . ولا يلزم السؤال عن عقيدة الإمام .
فسألته : فإن علم أنه أشعري المعتقد ؟
فأجاب : الصلاة خلفه جائزة . ولا أعلم أحداً كفر الأشاعرة " انتهى من "ثمرات
التدوين" للدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي .
وجاء في "فتاوى اللجنة
الدائمة" (7/ 353) : " وأما الصلاة خلف المبتدعة : فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم
غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم
، أو العلم بالمغيبات ، أو التأثير في الكونيات ، فلا تصح الصلاة خلفهم .
وإن كانت بدعتهم غير شركية ؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع
الاجتماع والترنحات ، فالصلاة وراءهم صحيحة ، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته
إماما غير مبتدع ؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر " انتهى .
وعليه : فإذا لم تعلم عن إمام المسجد وقوعه في شيء من الأمور الشركية ، فالصلاة
خلفه صحيحة ولو كان يؤخر العصر التأخير المذكور ، ولا يجوز التخلف عن الجماعة لأجل
ذلك .
والله أعلم .