الحمد لله.
ثانياً:
بخصوص تعليق صورة القدس – أو غيرها من الصور في المسجد – : فأقل أحوال ذلك الكراهة
، ويزداد النهي عن ذلك ، وتشتد كراهته إذا كانت الصورة معلقة في جهة القبلة .
والواجب أن تُصان بيوت الله عن مشابهة الكنائس وبيوت العبادة عند الكفار حيث يحرصون
على تلوين الجدران وتزيينها وتعليق الصور والتحف في أرجاء تلك البيوت .
وقد روى البخاري في صحيحه – معلَّقاً - ( 1 / 171 ) – عن عُمَر بن الخطاب لما أمر
بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ النبوي َقَالَ : " أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ ،
وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ " .
والتحمير والتصفير إنما يكون في الجدران ، وهو من الزينة والزخرفة التي رغِب عنها
النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن من هديه . عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ
الْمَسَاجِدِ ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ
وَالنَّصَارَى " .
رواه أبو داود ( 448 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وهذه الزخرفة هي التي تكون داخل المساجد على الجدران ، فتبين أن الصحابة الأجلاء قد
نهوا عن زخرفة المساجد وتزيينها بالتلوين لجدرانها ، وبالنقش في جدرانها ، وغير ذلك
من أنواع وأشكال الزخرفة .
ولا شك أن تعليق الصور في جدران المساجد ووضع البراويز بالآيات المزخرفة ، هو من
الزخرفة والتزيين المنهي عنه في كلام الصحابة الأجلاء ، فلا يخرج حكم تزيين جدران
المساجد عن كونه بدعة ، أو مشابهة لأهل الكتاب وكلاهما منهي عنه في الشرع المطهَّر
، ويشتد المنع إذا كانت تلك الزينة في قبلة المسجد ؛ لإشغالها المصلي عن التدبر
والخشوع في صلاته .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وإنما زخرفت اليهود والنصارى معابدها ، حين حرفوا كتبهم وبدَّلوها " انتهى .
وفي " الموسوعة الفقهية " (
23 / 217 ، 218 ) :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يكره زخرفة المسجد بذهب أو فضة ، أو نقش ، أو صبغ ، أو
كتابة ، أو غير ذلك مما يلهي المصلي عن صلاته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن ذلك ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
ما أمرت بتشييد المساجد ) والتشييد : الطلاء بالشِّيد ، أي : الجص ، قال ابن عباس :
" لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " ، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ) - رواه أبو داود
والنسائي وابن ماجه ، وصححه الألباني - ، وروى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله
عنه أمر ببناء مسجد وقال : " أكنَّ الناس من المطر ، وإياك أن تُحمِّر أو تصفِّر
فتفتن الناس " ، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : " إذا حلَّيتم مصاحفكم وزخرفتم
مساجدكم فالدمار عليكم " ؛ ولأن ذلك يلهي المصلي عن الصلاة بالنظر إليه فيخل بخشوعه
، ولأن هذا من أشراط الساعة .
انتهى
وقال الشيخ حسام الدين عفانة - أستاذ الفقه والأصول في " كلية الدعوة وأصول الدين "
جامعة " القدس " – وفقه الله – بعد أن ساق طائفة من الأدلة على منع تعليق الصور في
المسجد - :
أرى أنه لا يجوز تعليق الصور مهما كانت في قبلة المسجد ، وكذلك تعليق اللوحات سواء
كانت لوحات قرآنية ، أو مجلات حائط أو نحوها ، في قبلة المسجد وأمام المصلين ؛
لأنها بالتأكيد تشغلهم عن صلاتهم ، وينبغي - بشكل عام - تنزيه المسجد عن مثل هذه
الأمور ، فالمساجد ليست معارض ، ولا متاحف لتعليق الصور أو اللوحات الفنية ، أو
الزخرفات المختلفة .
" فتاوى حسام الدين عفانة " ( 1 / 177 ) – ترقيم الشاملة - .
ثالثاً:
ليَعلم كل من تسبَّب في إشغال المصلين عن صلاتهم أن له نصيباً من الإثم بسبب
مخالفته لحكم الشرع ، ولإشغال قلوب المصلين عن صلاتهم .
قال أبو حامد الغزالي – رحمه الله - :
وفِرقة أخرى ربما اكتسبت المال من الحلال وأنفقت على المساجد ، وهي أيضا مغرورة من
وجهين :
أحدهما :
الرياء وطلب الثناء ؛ فإنه ربما يكون في جواره أو بلده فقراء ، وصرف المال إليهم
أهم وأفضل وأولى من الصرف إلى بناء المساجد وزينتها ، وإنما يخف عليهم الصرف إلى
المساجد ليظهر ذلك بين الناس .
والثاني : أنه يصرف إلى زخرفة المسجد وتزيينه بالنقوش التي هي منهي عنها ، وشاغلة
قلوب المصلين ومختطفة أبصارهم ، والمقصود من الصلاة : الخشوع وحضور القلب ، وذلك
يفسد قلوب المصلين ، ويحبط ثوابهم بذلك ، ووبال ذلك كله يرجع إليه ، وهو مع ذلك
يغتر به ، ويرى أنه من الخيرات ، ويعدُّ ذلك وسيلة إلى الله تعالى ، وهو مع ذلك قد
تعرض لسخط الله تعالى ، وهو يظن أنه مطيع له وممتثل لأمره وقد شوش قلوب عباد الله
بما زخرفه من المسجد ، وربما شوَّقهم به إلى زخارف الدنيا ، فيشتهون مثل ذلك في
بيوتهم ، ويشتغلون بطلبه ، ووبال ذلك كله في رقبته ؛ إذ المسجد للتواضع ولحضور
القلب مع الله تعالى .
" إحياء علوم الدين " ( 3 / 408 ) .
وقد سبق ذكر هذا الحكم بأدلته في جواب السؤال رقم ( 127987 )، وفيه بيان المنع من كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في قِبلة المسجد ؛ ولا شك أن تعليق الصور ، ولو كانت للمسجد الأقصى في قبلة المسجد ، أولى بالمنع من مجرد كتابة الآيات القرآنية .
ونسأل الله لكم التوفيق
للعلم النافع والعمل الصالح ، وأن يكون ما ذكرناه هنا كافياً لقطع النزاع بينكم ،
وأن لا يتردد الإخوة في نزع تلك الصورة أو اتخاذ قرار بعدم تعليقها ؛ استجابة لحكم
الشرع العام بترك التنازع ونبذ الفُرقة ، وحكمه الخاص في عين المسألة .
وسئل الشيخ الألباني رحمه الله : " بالنسبة لتعليق بعض الصور ، مثل : المسجد الأقصى
ومسجد الصخرة ، يعني في البيوت ، بيجوز هذا أستاذنا ؟" .
فأجاب :
" إذا كان مقصود من السؤال أن لها حكم الصور التي لها أرواح ، الجواب : ليست كذلك ،
لكن إذا كان المقصود بصورة عامة ، فنقول : إن هذا مما يكره ، لأنه من باب الزينة
والزخارف التي لا يحث الإسلام على استعمالها ، بخاصة إذا كان الشيء المعلق يتضمن
شيئاً لا يقره الشرع ، وهنا عندك نقطة مهمة جداً ، بمعنى مسجد الصخرة فيه صخرة ، من
الخطأ أن يُعتقد فيها قداسة معينة أو فضل معين ، بالعكس هذا خطأ لا يقره الإسلام ،
فحينما توضع صورة في البيت ، في مكان يشعر ويوحي أن هذا الواضع يؤيد قداسة هذا الذي
وضع صورته في جداره ، لا شك أن هذا خطأ في خطأ ، هذا بالنسبة للصخرة ، لما بنترك
الصخرة إلى مسجد الرسول عليه السلام – مثلاً – علقناها الصورة ، نفس الشيء يُقال ،
فأنت تعليقك لها يوحي أو يشعر بأنك تقر مثل هذا الأمر القائم في هذه الصورة ، وهكذا
، فينبغي الابتعاد عن هذه الصور " انتهى .
فتوى منشورة بهذا الرابط :
http://www.almenhaj.net/makal.php?linkid=1726
والله أعلم.