الحمد لله.
وقال ابن الأبار رحمه الله :
" كان لا يُدرك شأْوُه ، ولا يُبلغ مداه في العناية بصناعة الحديث ، وتقييد الآثار
، وخدمة العلم مع حسن التفنن فيه ، والتصرف الكامل في فهم معانيه ، إلى اضطلاعه
بالآداب ، وتحققه بالنظم والنثر ، ومهارته في الفقه ، ومشاركته في اللغة والعربية .
وبالجملة : فكان جمال العصر ، ومفخر الأفق ، وينبوع المعرفة ، ومعدن الإفادة ، وإذا
عدت رجالات المغرب ـ فضلا عن الأندلس ـ حسب فيهم صدرا ، وله تواليف مفيدة كتبها
الناس وانتفعوا بها وكثر استعمال كل طائفة لها .
وولي قضاء بلده مدة طويلة ، ثم نقل إلى قضاء غرناطة فلم يطل مقامه بها ، وأعيد إلى
سبتة ثانية ، ومنها أشخص إلى مراكش وفيها توفي مغربا عن وطنه يوم الجمعة السابع من
جمادى الآخرة سنة 544 ، ودفن بباب إيلان داخل المدينة ومولده منتصف شعبان سنة 476
"انتهى.
"المعجم في أصحاب القاضي الصدفي" (ص 295-296)
وقال الذهبي رحمه الله في ترجمته من "السير"
(39/205-206) :
" الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ الأَوْحَدُ شَيْخُ الإِسْلاَمِ القَاضِي أَبُو
الفَضْلِ عِيَاضُ بنُ مُوْسَى بنِ عِيَاضِ بنِ عَمْرِو بنِ مُوْسَى بنِ عِيَاضٍ
اليَحْصَبيُّ الأَنْدَلُسِيُّ ثُمَّ السَّبْتِيُّ المَالِكِيُّ .
وُلِدَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ .
تَحَوَّل جَدّهُم مِنَ الأَنْدَلُس إِلَى فَاس ، ثُمَّ سَكَنَ سَبْتَة .
لَمْ يَحمل القَاضِي العِلْم فِي الحدَاثَة ، وَأَوّل شَيْء أَخَذَ عَنِ الحَافِظ
أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ إِجَازَة مُجرَّدَة ، رحل إِلَى الأَنْدَلُسِ سَنَة
بِضْع وَخَمْس مائَة ، وَرَوَى عَنِ القَاضِي أَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ
الصَّدَفِيّ وَلاَزمه ، وَعَنْ أَبِي بَحْر بن العَاصِ ، وَمُحَمَّد بن حمدين ،
وَأَبِي الحُسَيْنِ سرَاج الصَّغِيْر ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَتَّابٍ ، وَهِشَامِ
بنِ أَحْمَدَ ، وَعِدَّةٍ .
وَتَفَقَّهَ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى التَّمِيْمِيِّ ،
وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَسِيْلِيِّ .
وَاستبحر مِنَ العُلُوْم ، وَجَمَعَ ، وَأَلَّفَ ، وَسَارَتْ بِتَصَانِيْفِهِ
الرُّكبَانُ ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ فِي الآفَاق .
وَقَالَ الفَقِيْه مُحَمَّد بن حَمَّاده السَّبْتِيُّ : جلس القَاضِي
لِلمُنَاظَرَةِ وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً ، وَوَلِيَ
القَضَاءَ وَلَهُ خَمْس وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً ، كَانَ هَيِّناً مِنْ غَيْرِ ضَعفٍ ،
صَلِيْباً فِي الحَقِّ ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِسَبْتَةَ فِي عصرٍ أَكْثَرَ
تَوَالِيفَ مِنْ تَوَالِيْفِهِ ، لَهُ كِتَاب ( الشفَا فِي شرف المُصْطَفَى )
مُجَلَّد ، وَكِتَاب ( تَرْتِيْب المدَارك وَتَقْرِيْب المسَالك فِي ذكرِ فُقَهَاء
مَذْهَب مَالِك ) فِي مُجَلَّدَات ، وَكِتَاب ( العقيدَة ) ، وَكِتَاب ( شرح
حَدِيْث أُمِّ زرع ) ، وَكِتَاب ( جَامِع التَّارِيْخ ) الَّذِي أَربَى عَلَى
جَمِيْع المُؤلفَات ، جَمعَ فِيْهِ أَخْبَار مُلُوْك الأَنْدَلُس وَالمَغْرِب ،
وَاسْتَوْعَبَ فِيْهِ أَخْبَار سَبتَةَ وَعُلَمَاءهَا ، وَلَهُ كِتَاب ( مشَارقِ
الأَنوَار فِي اقتفَاء صَحِيْح الآثَارِ ) إِلَى أَنْ قَالَ :
وَحَاز مِنَ الرِّئَاسَة فِي بلدِه وَالرّفعَة مَا لَمْ يَصل إِلَيْهِ أَحَد قَطُّ
مِنْ أَهْلِ بلده ، وَمَا زَاده ذَلِكَ إِلاَّ تَوَاضعاً وَخَشْيَة للهِ تَعَالَى ،
وَلَهُ مِنَ المُؤلفَات الصّغَار أَشيَاءُ لَمْ نَذكرهَا .
قَالَ القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ فِي ( وَفِيَات الأَعيَان ) : هُوَ إِمَام
الحَدِيْث فِي وَقْتِهِ، وَأَعْرفُ النَّاس بِعُلُوْمِهِ ، وَبِالنَّحْوِ ،
وَاللُّغَةِ ، وَكَلاَمِ العَرَبِ ، وَأَيَّامهِم ، وَأَنسَابِهِم ، وَكُلّ
تَوَالِيْفِهِ بَدِيْعَة ، وَلَهُ شعر حسن .
قُلْتُ – أي الذهبي - : تَوَالِيفه نَفِيْسَة ، وَأَجَلهَا وَأَشرفهَا كِتَاب (
الشفَا ) لَوْلاَ مَا قَدْ حشَاه بِالأَحَادِيْث المفتعلَة ، عَمَلَ إِمَامٍ لاَ
نَقد لَهُ فِي فَن الحَدِيْث وَلاَ ذوق ، وَاللهُ يُثيبه عَلَى حسن قصدهِ ،
وَيَنْفَع بِـ ( شِفَائِهِ ) وَقَدْ فَعَلَ ، وَكَذَا فِيْهِ مِنَ التَّأْوِيْلاَت
البعيدَة أَلوَان ، وَنبينَا - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ وَسلاَمه - غنِيٌّ بِمدحَة
التنزِيل عَنِ الأَحَادِيْث ، وَبِمَا تَوَاتر مِنَ الأَخْبَار عَنِ الآحَاد ،
وَبِالآحَاد النّظيفَة الأَسَانِيْد عَنِ الوَاهيَات ، فَلِمَاذَا يَا قَوْم نَتشبع
بِالمَوْضُوْعَات ؟ فَيتطرق إِلَيْنَا مَقَالُ ذَوِي الغل وَالحسد ، وَلَكِن مَنْ
لاَ يَعلم معذور .
وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ القَاضِي خلق مِنَ العُلَمَاءِ ، مِنْهُم : الإِمَام عَبْد
اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَشِيْرِيّ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ القَصِيْر الغَرْنَاطِي ،
وَالحَافِظ خَلَف بن بَشْكُوَال ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الحَجْرِيّ
، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ الجَابِرِي ، وَوَلَده القَاضِي مُحَمَّد بن عِيَاضٍ
قَاضِي دَانِيَة " انتهى .
وينظر للاستزادة : "تذكرة الحفاظ" (4 / 68) - "تاريخ قضاة الاندلس" (ص 101) – "طبقات النسابين" (ص 20) – "وفيات الأعيان" (3 / 483) .