حكم استعمال كلمات أجنبية في مخاطبة العرب المسلمين
ما حكم كلمة ( برب ) ( تيت ) ( ولكم ) ( باي ) في الشريعة الإسلامية ؟
الجواب
الحمد لله.
حكم تحدث العربي بالكلمات غير العربية فيه تفصيل :
1- إذا وقع على وجه القلة أو الندرة ، أو استعمل لملاطفة مَن يفهم تلك اللغة غير
العربية في بعض الأحيان ، أو استعمل لإفهام من لا يتقن العربية : فلا بأس حينئذ ولا
حرج ، لأنه وقع على وجه الحاجة والفائدة ، ولأن الشريعة تعفو عن القليل ، وقد روت
أم خالد رضي الله عنها قالت : ( أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ ، قَالَ : مَنْ تَرَوْنَ
نَكْسُوهَا هَذِهِ الْخَمِيصَةَ ؟ فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ . قَالَ : ائْتُونِي
بِأُمِّ خَالِدٍ . فَأُتِيَ بِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَلْبَسَنِيهَا بِيَدِهِ وَقَالَ : أَبْلِي وَأَخْلِقِي مَرَّتَيْنِ . فَجَعَلَ
يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ : يَا
أُمَّ خَالِدٍ ! هَذَا سَنَا ، وَيَا أُمَّ خَالِدٍ ! هَذَا سَنَا . وَالسَّنَا
بِلِسَانِ الْحَبَشِيَّةِ : الْحَسَنُ )
رواه البخاري (رقم/5845) وبوب عليه بقوله : باب من تكلم بالفارسية والرطانة .
2- أما إذا اعتاد المسلم العربي مثل هذه الكلمات غير العربية ، ولم يكن هناك حاجة
لاستعمالها ، فذلك مكروه لعدة أوجه :
أ- أنه استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير ، فالمسلم تحيته السلام ، وليس كلمة (
باي ) ولا كلمة ( ويلكم ) ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا انتهَى أَحَدُكُمْ إِلَى
الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ ،
فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ ) رواه أبو داود (5208) وصححه
الألباني في صحيح أبي داود .
ب- التشبه بغير المسلمين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ
فَهُوَ مِنْهُمْ ) رواه أبو داود (4031)، والتشبه بغير المسلمين – ولو باللسان –
يؤثر في الخلق والدين .
ج- مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالحين في تعظيم اللغة
العربية لأنها لغة القرآن الكريم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها
يتميزون ، ولهذا كان كثير من الفقهاء أو أكثرهم يكرهون في الأدعية التي في الصلاة
والذكر ، أن يدعى الله أو يذكر بغير العربية...وأما الخطاب بها ( يعني الأعجمية )
من غير حاجة في أسماء الناس والشهور ، كالتواريخ ونحو ذلك ، منهي عنه مع الجهل
بالمعنى بلا ريب .
وأما مع العلم به ، فكلام أحمد بَيِّنٌ في كراهته أيضا ، فإنه كره "آذرماه" ونحوه ،
ومعناه : ليس محرما .
وهو أيضا قد أخذ بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم ، وعن شهود
أعيادهم .
وهذا قول مالك أيضا ، فإنه قال : لا يُحرِم بالعجمية ولا يدعو بها ، ولا يحلف بها .
وقال : نهى عمر عن رطانة الأعاجم وقال : " إنها خِبَّ " ( المكر والغش ، المدونة
1/62-63) ، فقد استدل بنهي عمر عن الرطانة مطلقا .
وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن الحكم قال :
سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول : لا نحب ألا ينطق بالعربية فيسمي شيئا بالعجمية ،
وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب ، فأنزل به كتابه العزيز ،
وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم ، ولهذا نقول : ينبغي لكل أحد
يَقدِرُ على تعلم العربية أن يتعلمها ؛ لأنها اللسان الأَوْلَى بأن يكون مرغوبا فيه
، من غير أن يحرم على أحد أن ينطق بالعجمية .
روى أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" (9/11) حدثنا وكيع عن أبي هلال عن أبي بريدة
قال : قال عمر : ما تعلم الرجل الفارسية إلا خَبَّ ( صار خَدَّاعًا ) ، ولا خَبَّ
رجل إلا نقصت مروءته .
ونقل عن طائفة منهم أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من العجمية :
قال أبو خلدة : كلمني أبو العالية بالفارسية .
وقال منذر الثوري : سأل رجل محمد بن الحنفية عن الجبن ، فقال : يا جارية اذهبي بهذا
الدرهم فاشتري به نبيزا ، فاشترت به نبيزا ، ثم جاءت به ، يعني الجبن .
وفي الجملة : فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب ، وأكثر ما كانوا يفعلون
إما لكون المخاطب أعجميا ، أو قد اعتاد العجمية ، يريدون تقريب الأفهام عليه ، كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - وكانت صغيرة قد
ولدت بأرض الحبشة لما هاجر أبوها - فكساها النبي صلى الله عليه وسلم خميصة وقال : (
يا أم خالد هذا سنا ) والسنا : بلغة الحبشة الحسن . البخاري (5845)
ورُوي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال لمن أوجعه بطنه : أشكم بدرد .
وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن ، حتى يصير ذلك
عادة للمصر وأهله ، ولأهل الدار ، وللرجل مع صاحبه ، ولأهل السوق ، أو للأمراء ، أو
لأهل الديوان ، أو لأهل الفقه ، فلا ريب أن هذا مكروه ، فإنه من التشبه بالأعاجم ،
وهو مكروه ، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما
رومية ، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية ، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية ،
عودوا أهل هذه البلادِ العربيةَ ، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم ،
وهكذا كانت خراسان قديما .
ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة ، واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم ، وصارت
العربية مهجورة عند كثير منهم ، ولا ريب أن هذا مكروه .
وإنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في الدور والمكاتب ،
فيظهر شعار الإسلام وأهله ، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب
والسنة وكلام السلف ، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى ، فإنه يصعب
عليه . واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرا قويا بينا ،
ويؤثر أيضا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ، ومشابهتهم تزيد العقل
والدين والخلق .
وأيضا : فإن نفس اللغة العربية من الدين ، ومعرفتها فرض واجب ، فإنَّ فهم الكتاب
والسنة فرض ، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
، ثم منها ما هو واجب على الأعيان ، ومنها ما هو واجب على الكفاية .
وهذا معنى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عيسى بن يونس عن ثور عن عمر بن يزيد
قال :
( كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه : أما بعد ، فتفقهوا في السنة ،
وتفقهوا في العربية ، وأعربوا القرآن فإنه عربي )
وفي حديث آخر عن عمر رضي الله عنه أنه قال :
( تعلموا العربية فإنها من دينكم ، وتعلموا الفرائض فإنها من دينكم )
وهذا الذي أمر به عمر رضي الله عنه من فقه العربية وفقه الشريعة يجمع ما يحتاج إليه
؛ لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال ، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله ، وفقه
السنة هو الطريق إلى فقه أعماله " انتهى باختصار .
"اقتضاء الصراط المستقيم" (1/204- 208)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الذي ينطق بالعربية لا ينطق بغير العربية ، ولهذا كان عمر بن الخطاب يضرب الناس
إذا تكلموا برطانة الأعاجم ، والعلماء كرهوا أن يكون التخاطب بلغة غير العربية لمن
يعرف اللغة العربية ، ولذلك - مع الأسف الشديد نجد بعضهم يتكلم باللغة غير العربية
مع أخيه العربي ، بل بعضهم يعلم صبيانه اللغة غير العربية ، بل بعضهم يعلمهم التحية
الإسلامية باللغة غير العربية ، سمعنا من يقول لصبيه إذا أراد مغادرته أو أتى إليه
، يقول : " باي باي " ، ما معنى " باي باي " ؟ معناها : مع السلامة في الإنجليزي ،
كيف نذهب إلى هذا ؟ كل هذا من أجل إضاعة الشخصية في كثير من الناس ، بهرتهم هذه
الحضارة في الدول العالمية ، فظنوا أنها هي منطلق التقدم " انتهى باختصار .
" لقاء الباب المفتوح " (لقاء رقم 142/سؤال رقم 3)
وأما معاني الكلمات الواردة في السؤال فهي :
( برب ) اختصار نطق : be right back ، ومعناها : سأعود بعد قليل .
( تيت ) اختصار نطق : take your time ، ومعناها : في الوقت سعة .
( ولكم ) : welcome : أهلا وسهلا .
( باي ) : bye : مع السلامة .
وينظر جواب السؤال رقم : (90066) .
والله أعلم .