الحمد لله.
الزواج الجماعي الذي تقيمه القبيلة أو البلدة ويراد منه تيسير الزواج والتشجيع عليه وتقوية الصلات : عمل صالح مشروع ؛ لما فيه من الخير والإحسان والتعاون على ذلك .
ولا وجه لمعاقبة من تزوج بمفرده ، بل يلزم من دعي لوليمته أن يحضر ؛ لأن ذلك من الواجبات الشرعية .
قال ابن قدامة رحمه الله : " قال ابن عبد البر : لا خلاف في وجوب الإجابة إلى
الوليمة لمن دعي إليها ، إذا لم يكن فيها لهو . وبه يقول مالك ، والشافعي ، وأبو
حنيفة وأصحابه.
لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دعي
أحدكم إلى الوليمة فليأتها ) . وفي لفظ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم إليها ) ...
وإنما تجب الإجابة على من عُيّن بالدعوة ، بأن يدعو رجلا بعينه ، أو جماعة معينين .
فإن دعا الجَفَلَى ; بأن يقول : يا أيها الناس ، أجيبوا إلى الوليمة . أو يقول الرسول : أمرت أن أدعو كل من لقيت ، أو من شئت : لم تجب الإجابة ، ولم تستحب ; لأنه لم يعين بالدعوة ، فلم تتعين عليه الإجابة ، ولأنه غير منصوص عليه ، ولا يحصل كسر قلب الداعي بترك إجابته ، وتجوز الإجابة بهذا ; لدخوله في عموم الدعاء " انتهى من "المغني" (7/ 213).
فإذا كانت إجابة الدعوة واجبة ، فكيف يغرم من حضرها ؟!
وعليه : فما جاء في الاتفاق الأول من تغريم الحاضر 100 ريال ، خطأ منافٍ للشرع الذي يأمر بإجابة الدعوة ويحث عليها .
وكذلك ما جاء في الاتفاق الثاني من تغريمه 5000 ريال ، ومن القول بعدم أحقية الزوج في دعوة أحد لوليمته ، فكل ذلك مخالف للشرع ، ولا يجوز أن تتحول الاتفاقية التي يراد منها الإحسان والخير إلى أداة للقطيعة والمعاقبة ومضادة الشرع .
قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؟! مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ؛ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ ) متفق عليه .
والحاصل : أن هذه الاتفاقية وظيفتها التسهيل والتيسير ، ولا يلزم التقيد بها ، فمن شاء أن يتزوج بمفرده فعل ، ويلزم من دعي إلى وليمته أن يحضر ، وإلا كان عاصيا آثما ، ولا يجوز معاتبة الحاضر أو لومه أو تغريمه .
والله أعلم .