قرأت فتوى على موقعكم تقول : إن من ترك الصلاة إهمالاً وتساهلاً فإنه مرتد ، بينما وجدت حديثاً على ما يبدو أنه يتعارض مع ما أفتيتم به... ( خمس صلوات افترضهن الله ، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن ، وأتم ركوعهن ، وخشوعهن كان له عند الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له عند الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ) رواه مالك وأبو داود والنسائي وابن حبان ، وصححه العديد من الأئمة.
فالذي نعرفه أن الله لا يغفر للكافر ، والمرتد كافر ؛ إذاً فكيف يُحمل قوله في هذا الحديث : ( إن شاء غفر له وإن شاء عذبه ) ؟
الحمد لله.
هذا الحديث رواه أبو داود (425) ، وأحمد (22196) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه
قال : سمعت رسول الله عليه وسلم يقول : ( خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ
تَعَالَى ، مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ ، وَأَتَمَّ
رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ ، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ
، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ
لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ) ، وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح سنن أبي داود
" .
قوله صلى الله عليه وسلم : (إن شاء غفر له) أخذ به من يرى عدم كفر تارك الصلاة ،
فقالوا : لو كان تارك الصلاة كافراً لما دخل تحت المشيئة .
ولكن .. أجيب عن هذا الاستدلال بما يلي :
1. أن قوله عليه الصلاة والسلام : (ومن لم يفعل) راجع إلى ما تقدم أي : من لم يفعل
الصلوات الخمس على النحو المتقدم بأن يصليهن لوقتهن وقد أتم ركوعهن وخشوعهن وأحسن
وضوءهن ، فمن لم يفعل ذلك بأن أخل بشيء مما تقدم كأن يؤخر الصلاة عن وقتها أو لا
يتم خشوعها أو ركوعها أو نحو ذلك فإنه تحت مشيئة الله تعالى .
وعلى هذا ، فالمقصود بالحديث من يصلي ، غير أنه لا يؤدي الصلاة كاملة .
وقد جاء الحديث بلفظ المحافظة على الصلاة ، فروى ابن ماجة (1403) عن أبي قتادة بن
ربعي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ
وَجَلَّ : افْتَرَضْتُ عَلَى أُمَّتِكَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ وَعَهِدْتُ عِنْدِي
عَهْدًا أَنَّهُ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِنَّ لِوَقْتِهِنَّ أَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ ،
وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهِنَّ فَلَا عَهْدَ لَهُ عِنْدِي ) ، وحسنه الشيخ
الألباني في "صحيح سنن ابن ماجة" .
وقد بيَّن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن المحافظة على الصلاة هي فعلها في
وقتها كما أمر الله ، وأن عدم المحافظة عليها هي فعلها بعد وقتها ، وهو المراد
بإضاعة الصلاة في قوله تعالى : ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ) وأما ترك
الصلاة فهو عدم الصلاة ، لا في الوقت ، ولا بعد الوقت ، ثم قال رحمه الله : " وإذا
عرف الفرق بين الأمرين ، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة مَنْ لم
يحافظ عليها ، لا مَنْ ترك ، ونفيُ المحافظة يقتضي أنهم صلوا ولم يحافظوا عليها ،
ولا يتناول من لم يحافظ [ كذا في مجموع الفتاوى ، ولعل الصواب : ولا يتناول من لم
يصل ] ، فإنه لو تناول ذلك قتلوا كفارا مرتدين بلا ريب " انتهى من "مجموع الفتاوى"
(7/ 615) .
2. أنه يحتمل أن قوله صلى الله عليه وسلم : ( ومن لم يفعل ... ) أي : من لم يصل كل
صلاة ، ولكن كان يصلي أحياناً ويترك الصلاة أحياناً .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (2/34) : " هناك أحاديث
تُعارض الأحاديثَ الدَّالة على الكفر .... ، ومن ذلك ما يكون مشتبهاً لاحتمال
دلالته ، فيجب حمله على الاحتمال الموافق للنصوص المحكمة ، كحديث عُبادة بن
الصَّامت رضي الله عنه : ( خمسُ صلوات ؛ افترضهُنَّ اللَّهُ تعالى، مَنْ أحسن
وضوءَهُنَّ ، وصَلاَّهُنَّ لوقتهنَّ ؛ وأتمَّ رُكوعَهُنَّ وخُشوعَهُنَّ ، كان له
على الله عهدٌ أن يغفرَ له ، ومَنْ لم يفعلْ ؛ فليس له على الله عهد ٌ، إن شاء
غَفرَ له ، وإن شاء عَذَّبه ) ، فإنه يحتَمِلُ أن يكون المراد به: من لم يأتِ بهنَّ
على هذا الوصف ، وهو إتمام الركوع والسجود والخشوع .
ويحتمل أن يكون : لم يأتِ بهنَّ كلِّهنَّ ، بل كان يُصلّي بعضاً ويترك بعضاً .
ويحتمل أن يكون : لم يأتِ بواحدةٍ منهنّ ، بل كان يَتركهُنَّ كلَّهنَّ .
وإذا كان الحديث محتملاً لهذه المعاني كان من المتشابه ، فيُحمل على الاحتمال
الموافق للنُّصوص المحكمة " انتهى بتصرف يسير .
وللفائدة ينظر جواب السؤال
رقم : (5208) ، ورقم : (2182)
.
والله أعلم