نذر إن فعل معصية أن يتصدق بجميع ماله
أعيش في الغرب ، وبفضل الله وكرمه منَّ الله عليَّ ببعض المال الذي أستطيع أن أهاحر به إلى الله وأغادر إلى بلاد إسلامية ، إلا أنني مؤخراً وقعت في مشكلة مع معصية أرتكبها والتي عانيت الكثير لكي أقلع عنها وتبت منها العديد من المرات ، وحتى لا أعود لها ثانيةً نذرت ( نذر يأس وغضب ) وقلت بالحرف : " والله لئن وقعت في هذه المعصية ثانية فسوف أتصدق بهذا المال الذي وفرته للهجرة ، ولن أكفِّر كفارة يمين " ، ولكن - وبكل أسف - لم أستطع منع نفسي عن اقتراف هذا الذنب وفعلته ثانية .
من فضلكم أطلب المساعدة منكم ، هل يمكنكم مساعدتي ؟ أنا لا أريد البقاء في هذه البلاد أكثر من ذلك حتى لا أفتتن .
بارك الله فيكم وأظلكم برحمته .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
الواجب عليك أولاً أن تتوب من ذنبك الذي فعلتَ ، وكلما تكرر منك الذنب فأحدث التوبة
، ولا تيأس من رحمة الله .
ثانياً :
النذر الذي ذكرته لم تقصد به الطاعة ، وهي التصدق بمالك وإنما أردت منع نفسك من هذه
المعصية ، وهذا النذر حكمه حكم اليمين ، ويخير فيه الناذر بين أمرين : إما أن يفعل
ما نذر به ، وإما أن يكفر كفارة يمين .
قال الشيخ موسى بن أحمد بن موسى الحجاوي – رحمه الله - :
"نَذْرُ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ ، وَهو تَعْلِيقُ نَذرِهِ بِشَرْطٍ يَقْصِدُ
الْمَنْعَ مِنْهُ ، أَوِ الْحَمْلَ عَلَيْهِ ، أَوِ التَّصْدِيقَ أَوِ التَّكْذِيبَ
، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ ، وكَفَّارَةِ يَمِينٍ" انتهى .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرحه :
"قوله : "نذر اللجاج والغضب" هذا النذر من باب إضافة الشيء إلى سببه ، يعني النذر
الذي سببه اللجاج ، أي : الخصومة ، أو المنازعة ، أو ما يشبه ذلك ، والغضب : غليان
دم القلب وفورانه ، فينفعل الإنسان وينذر ، لكن ما تعريفه ؟ قال :
" وهو تعليق نذره بشرط يقصد المنع منه " يعني : أن يعلق الإنسان نذره بشرط يقصد
المنع منه ، مثل أن يقول : إن فعلتُ كذا : فللَّه عليَّ نذر أن أصوم سنَة ، وغرضه :
أن يمنع نفسه من ذلك ؛ لأنه إذا تذكر صيام السنة امتنع .
أو يقول إنسان لمن يمتنع بيمينه - كابنه مثلاً - : إن فعلتَ كذا فلله عليَّ نذرٌ أن
أصوم سنَة ، فهذا - أيضاً - يسمَّى نذر اللجاج والغضب ، فقصده بذلك : المنع .
قوله : " أو الحمل عليه " عكس المنع منه ، يعني : ينذر ليحملَ نفسه على الفعل ، مثل
أن يقول : إن لم أفعل كذا : فعبيدي أحرار ، وأملاكي وقف ، ونقودي هبة ، والمقصود :
حمل نفسه على الفعل ، فهذا يُسميه العلماء " نذر اللجاج والغضب " ، وإن لم يكن فيه
لجاج أو غضب ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، فما دام سموه نذر اللجاج والغضب ، فنحن نقول
ما قالوا ، ونسميه بما سموه .
قوله : " أو التصديق " بأن يحدثنا بحديث فقلنا : هذا ليس بصحيح ، فقال : لله عليَّ
نذر إن كان كذباً أن أصوم سنَة ، لماذا قال هذا الكلام ؟ قاله تصديقاً لقوله .
قوله : " أو التكذيب " بالعكس ، بأن يحدثه شخص بشيء ، فيقول : أنت كذاب ، إن كان ما
تقوله صدقاً فعبيدي أحرار ، فالمقصود : التكذيب ، يعني : يؤكد أنه يكذِّب هذا الرجل
بهذا القول .
قوله : " فَيُخَيَّرُ بين فعله وكفارة يمين " كاليمين ، يعني : كما لو حلفت على شيء
، فإن فعلته فلا كفارة ، وإن لم تفعله فعليك الكفارة ، المهم نقول : هذا النذر إن
شئت فافعل ما نذرت ، وإن شئت فكفر كفارةَ يمين .
ودليل هذا الحديث الذي رواه سعيد في سننه : ( لا نذر في غضب ، وكفارته كفارة يمين )
– رواه النسائي وضعفه الألباني - ، أما من جهة التعليل : فقالوا : إن هذا بمعنى
اليمين ؛ لأنه لم يقصد بهذا النذر إلا المنع ، أو الحمل ، أو التصديق ، أو التكذيب
، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما
نوى ) ، ولنضرب مثالاً لذلك : رجل قال : لله عليَّ نذر إن فعلت كذا أن أصوم ثلاثة
أيام ، ففعل ، فهل يلزمه صيام ثلاثة أيام أو كفارة يمين ؟ .
الجواب : يخيَّر ، إن شاء صام ثلاثة أيام ، وإن شاء كفَّر كفارة يمين ؛ لأن هذا
النذر حكمه حكم اليمين .
وإذا قلنا إن حكمه حكم اليمين فهل الأولى أن يفعل أو الأولى أن يكفِّر ؟ .
نقول : سبق أن المسألة بحسب المحلوف عليه ، إن كان خيراً فالأفضل أن يفعل ، وهنا في
الغالب أنه خير ؛ لأنه نذر ، لكن مع ذلك لئلا نلزمه نقول : أنت مخير بين فعلك ،
وكفارة اليمين" انتهى من "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (15/211 – 213) .
والذي يظهر أن النذر الذي نذرته تضمن نذرين اثنين :
الأول : التصدق بالمال ، والثاني : عدم إخراج كفارة يمين .
وعلى هذا ؛ فإما أن تتصدق بالمال ، وإما أن تخرج كفارتي يمين ، فتطعم عشرين مسكينا
من أوسط طعامك .
ولمعرفة كفارة اليمين بالتفصيل ينظر جواب السؤال رقم : (45676)
.
والله أعلم