الحمد لله.
ثانياً:
إذا لم تكوني قد أوصلتِ الماء إلى شعر رأسك حين الاغتسال ، كما تقولين في سؤالك ،
حتى لا يظهر عليه أثر الغسل : فصلواتك التي صليتِها بعد هذا الغسل الناقص ، إلى أن
تغتسلي بعد ذلك غسلا كاملا : باطلة ، ويُطلب منك قضاؤها ؛ ولو فات وقتها ، وخجلكِ
ليس عذراً في الشرع ، كما يُطلب منك التوبة الصادقة ، والندم على الفعل ، وعدم
الرجوع لمثل هذا الفعل ، مع الإكثار من الأعمال الصالحة .
وهذا إذا كنت تعلمين أن الواجب عليك غسل الشعر كاملا ، وأن ما حصل منك من غسل فروة
الرأس فقط غير كاف في طهارتك من الحيض .
وإنما تُعذرين بالقضاء فلا يلزمك لو كنتِ تجهلين وجوب غسل الشعر كاملاً ، فمع الجهل
بالواجبات والشروط والأركان لا يؤمر المسلم بقضاء ما فات من الصلوات ، وإنما يؤمر
بقضاء الصلاة التي لم يخرج وقتها فقط .
وهكذا تعذرين في ترك قضاء ما فاتك إن كنت تظنين أن ما فعلته كاف لك في الطهارة ، أو
أن حياءك عذر لك في ترك غسل شعرك ، وأن ما فعلته كاف لك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
"فالصحيح من أقوالهم : أنه لا إعادة على أحد فعلَ ما أُمر به بحسب الاستطاعة ،
وإنما يعيد من ترك واجباً يقدر عليه ، مثل من تركه لنسيانه أو نومه ، كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم ( مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا
ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ ) – متفق عليه - وقد أمر النبي صلى
الله عليه وسلم من توضأ وترك لمعة لم يصبها الماء من قدمه يعيد الوضوء والصلاة.
وما ترك لجهله بالواجب مثل من كان يصلي بلا طمأنينة ولا يعلم أنها واجبة : فهذا قد
اختلفوا فيه : هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت أو لا ؟ على قولين معروفين ، وهما
قولان في مذهب أحمد وغيره ، والصحيح : أن مثل هذا لا إعادة عليه ؛ فإن النبي صلى
الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته ( اذْهَبْ
فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ) - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا - فَقَالَ : "
وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا فَعَلِّمْنِي مَا
يَجْزِينِي فِي صَلَاتِي " ، فعلَّمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالطمأنينة –
متفق عليه - ، ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت مع قوله : " وَاَلَّذِي
بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا " ولكن أمره أن يعيد تلك الصلاة ؛
لأن وقتها باق ، فهو مأمور بها أن يصليها في وقتها ، وأما ما خرج وقته من الصلاة :
فلم يأمره بإعادته مع كونه قد ترك بعض واجباته ؛ لأنه لم يكن يعرف وجوب ذلك عليه ،
وكذلك لم يأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقضي ما تركه من الصلاة لأجل الجنابة
– متفق عليه - ؛ لأنه لم يكن يعرف أنه يجوز الصلاة بالتيمم ، وكذلك المستحاضة قالت
له : " إني أستحاض حيضة شديدة منكرة تمنعني الصوم والصلاة " فأمرها أن تتوضأ لكل
صلاة ولم يأمرها بقضاء ما تركته ... – رواه الترمذي وحسَّنه ، وأبو داود – "انتهى
من" مجموع الفتاوى " ( 21 / 429 ، 430 ) .
والخلاصة :
أن هذا غسلك بالصفة المذكورة غير صحيح ، ولا تطهرين به من الحيض ولا الجنابة ، فإن
كنت تعلمين أن طهارتك ناقصة ، لكن ضعفت عن إكمالها لحيائك : فالواجب عليك أن تعيدي
هذه الصلوات التي صليتها بغسلك الناقص .
وإن كنت تظنين أن ما فعلته كاف ، أو أن حياءك عذر لك في ترك غسل الشرع : فلا يجب
عليك قضاء ما فات .
وانظري جواب السؤال رقم (
9755 ) .
والله أعلم