في شهر رمضان المبارك أذهب لصلاة العشاء وصلاة التراويح مع أحد القراء المشهورين ، ويطيل في القراءة في صلاة التراويح، وبين الركعتين والركعتين أجلس بعض الوقت لاستريح ، السؤال / هل يجوز لي أن أكبر مع الامام تكبيرة الاحرام وانا جالس في الصف حتى لاتفوتني تكبيرة الاحرام مع الامام ، وبعد قراءة ماتيسر من القرآن أقوم واقفا ؟،
الحمد لله.
يجوز القعود في صلاة النافلة من غير عذر ، إجماعا ، لكن أجر القاعد حينئذ على النصف من أجر القائم ؛ لما روى مسلم (1214) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ ) .
قَالَ : فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ ، فَقَالَ : ( مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ) ؟
قُلْتُ : حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ : صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا ؟ قَالَ : ( أَجَلْ ؛ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُم ) .
فإن قعد لعذر كان له ثواب القائم .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " معناه : أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم ، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها . وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام ، فهذا له نصف ثواب القائم . وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه ، بل يكون كثوابه قائما. وأما الفرض : فإن صلاه قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح ، فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به.
قال أصحابنا : وان استحله كفر ، وجرت عليه أحكام المرتدين ، كما لو استحل الزنى والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم .
وان صلى الفرض قاعدا لعجزه عن القيام ، أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود ، فثوابه كثوابه قائما ، لم ينقص باتفاق أصحابنا ، فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام . هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث ".
وقال : " وأما قوله صلى الله عليه وسلم ( لست كأحد منكم ) فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ، فجُعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له ، كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم ، وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (6/14) .
وعليه :
فلك أن تكبر للإحرام قائما ثم تقعد ، ولك أن تكبر حال القعود ، ثم إذا حصل لك النشاط في الحالتين فقمت فهذا خير وأفضل ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فإذا تعب جلس فإذا قرب من الركوع قام ليركع .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ جَالِسًا ، حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا ، فَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ السُّورَةِ ثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهُنَّ ، ثُمَّ رَكَعَ ) رواه البخاري (1148) ومسلم (731) .
قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " فِيهِ جَوَاز الرَّكْعَة الْوَاحِدَة بَعْضهَا مِنْ قِيَام وَبَعْضهَا مِنْ قُعُود , وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَعَامَّة الْعُلَمَاء , وَسَوَاء قَامَ ثُمَّ قَعَدَ , أَوْ قَعَدَ ثُمَّ قَامَ , وَمَنَعَهُ بَعْض السَّلَف , وَهُوَ غَلَط . وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي يُوسُف وَمُحَمَّد صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَة فِي آخَرِينَ كَرَاهَة الْقُعُود بَعْد الْقِيَام . وَلَوْ نَوَى الْقِيَام ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْلِس جَازَ عِنْدنَا وَعِنْد الْجُمْهُور , وَجَوَّزَهُ مِنْ الْمَالِكِيَّة اِبْن الْقَاسِم وَمَنَعَهُ أَشْهَب " انتهى .
والله أعلم .