أعيش مع زوجي وأربعة أبناء لي منه، ولكننا للأسف نعاني من قسوة هذا الرجل وعنفه الدائم في التعامل معنا جميعا حتى وصل به الأمر إلى الإيذاء الجسدي لنا.
مع العلم أني أبلغ من العمر 40 عاما، وقد كان أبنائي الأربعة يعانون من مشاكل صحية حينما كانوا أجنة في بطني. لذا فإني لا أرغب في الحمل مرة أخرى ولكن زوجي يُلح عليّ دائما بالحمل مرة أخرى وكثيرا ما يهددني بالطلاق.
فهل يجوز لي استعمال وسائل منع الحمل بدون علم زوجي، خاصة وقد نصحني بهذا الأطباء وحذروني من الحمل نظرا لظروفي الصحية بالإضافة إلى المعاناة التي أعيش فيها أنا وأبنائي الأربعة ، فلا أرغب في الإتيان بابن آخر. (للعلم فقد حمل زوجي علينا السكين مرتين)؟
وزوجي لا يراعي ظروفي الصحية وقد رأى بعينه في آخر حمل لي حالتي الصحية المتدهورة ومعاناتي في المستشفى.
أفيدوني أفادكم الله
جزاكم الله خيرا
الحمد لله.
مما ينبغي أن يعلم أن الأصْل أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الْحَقَّ فِي
إِنْجَابِ الأْوْلاَدِ ، فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَعْزِل عَنْ زَوْجَتِهِ إِلاَّ
بِإِذْنِهَا ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَتَّخِذَ أَيَّ وَسِيلَةٍ لِمَنْعِ
الْحَمْل إِلاَّ بِإِذْنِهِ . ينظر : " الموسوعة الفقهية " (3/156) .
قال ابن نجيم الحنفي :
" وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَدُّ الْمَرْأَةِ فَمَ رَحِمِهَا كَمَا تَفْعَلُهُ
النِّسَاءُ لِمَنْعِ الْوَلَدِ حَرَامًا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ ، قِيَاسًا عَلَى
عَزْلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا ". انتهى من " البحر الرائق " (3/215) .
وقال ابن مفلح الحنبلي :
" وَلَهَا شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لِقَطْعِ الْحَيْضِ ... وَقَالَ الْقَاضِي :
بِإِذْنِ زَوْجٍ كَالْعَزْلِ ، يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي بَعْضِ جَوَابِهِ :
وَالزَّوْجَةُ تَسْتَأْذِنُ زَوْجَهَا ". انتهى من "الفروع " (1/392).
قال المرداوي : " وهو الصواب ". انتهى من " الإنصاف " [1 /272] .
وقال البهوتي الحنبلي :
" وقَالَ الْقَاضِي : لَا يُبَاحُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا
فِي الْوَلَدِ ، ". انتهى من "كشاف القناع " [2 /96] .
ولكن إذا وجد عذر ظاهر للزوجة في عدم الإنجاب ، كأن يكون الحمل يسبب لها ضرراً
واضحاً بشهادة الأطباء الثقات ، ففي هذه الحال ، يسقط حق الرجل في الاستئذان ، لأن
مصلحة المرأة في الحفاظ على صحتها ، مقدمة على مصلحة الرجل في الإنجاب .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لَا ضَرَرَ ، وَلَا ضِرَارَ) . رواه ابن ماجه
(2340) وحسنه النووي في كتابه " الأذكار صـ 502.
بل قد أجاز العلماء للمرأة الحامل إسقاط الحمل ما دام
في الأيام الأولى ، إذا كان سيترتب عليه ضرر بصحتها. ينظر: جواب السؤال (82851) .
وفي فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى : أنا متزوجة ، وزوجي يرفض أن آكل حبوب
منع الحمل ، حيث لا يحس بالتعب الذي ألاقيه ، أنا متضررة ، وقد أكلت حبوب منع الحمل
دون علم زوجي ، هل في ذلك حرج ؟.
فأجاب الشيخ : " إذا تيسر تركها فهو أحوط ، أما إذا كان الضرر عظيماً ، والمشقة
كبيرة ، فلا بأس ، وإلا فتركها أحوط ، وطاعة الزوج واجبة ، إلا إذا كان الضرر كبيرا
ويشق عليك ؛ لقول الله سبحانه : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ". انتهى
من "مجموع فتاوى ابن باز" (21 /183).
والأولى لك أن تحاولي مع زوجك ليتم الأمر بتفاهم واتفاق بينكما ، وعلى الرجل أن
يراعي وضع زوجته وحالتها الصحية .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " وعلى الزوج
إذا رأى أن المرأة تتأثر تأثراً غير معتاد في حملها : أن يأذن لها في استعمال ما
يمنع الحمل ، أو هو بنفسه يستعمل ما يمنع الحمل رأفةً بها ، ورحمةً بها ، حتى تنشط
وتقوى على ذلك ". انتهى من " فتاوى نور على الدرب ".
وأما سوء معاشرة الزوج ، وشراسة أخلاقه ، فليست عذراً في ترك الإنجاب ، فقد يجعل
الله في هذا الطفل عوضاً وخيرا كثيراً ، كما قال تعالى : ( يخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ
الْمَيِّتِ ، وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ).
وقال : ( فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا
كَثِيرًا ) [النساء: 19].
والله أعلم .